أما قوله تعالى :﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنابِهِمْ فَسَوَّا هَا﴾ فاعلم أن في الدمدمة وجوهاً أحدها : قال الزجاج : معنى دمدم أطبق عليهم العذاب، يقال : دمدمت على الشيء إذا أطبقت عليه، ويقال : ناقة مدمومة، أي قد ألبسها الشحم، فإذا كررت الإطباق قلت دمدمت عليه. قال الواحدي : الدم في اللغة اللطخ، ويقال للشيء السمين : كأنما دم بالشحم دماً، فجعل الزجاج دمدم من هذا الحرف على التضعيف نحو كبكبوا وبابه، فعلى هذا معنى دمدم عليهم، أطبق عليهم العذاب وعمهم كالشيء الذي يلطخ به من جميع الجوانب الوجه الثاني : تقول للشيء : يدفن دمدمت عليه، أي سويت عليه، فيجوز أن يكون معنى فدمدم عليهم، فسوى عليهم الأرض بأن أهلكهم فجعلهم تحت التراب الوجه الثالث : قال ابن الأنباري : دمدم غضب، والدمدمة الكلام الذي يزعج الرجل ورابعها : دمدم عليهم أرجف الأرض بهم رواه ثعلب عن ابن الأعرابي، وهو قول الفراء، أما قوله :﴿فَسَوَّا هَا﴾ يحتمل وجهين، وذلك لأنا إن فسرنا الدمدمة بالإطباق والعموم، كان معنى ﴿فَسَوَّى ﴾ / الدمدمة عليهم وعمهم بها، وذلك أن هلاكهم كان بصيحة جبريل عليه السلام، وتلك الصيحة أهلكتهم جميعاً، فاستوت على صغيرهم وكبيرهم، وإن فسرناها بالتسوية، كان المراد فسوى عليهم الأرض.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٨١
١٨٢
أما قوله تعالى :﴿وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ ففيه وجوه أولها : أنه كناية عن الرب تعالى إذ هو أقرب المذكورات، ثم اختلفوا فقال بعضهم : لا يخاف تبعة في العاقبة إذ العقبى والعافية سواء، كأنه بين أنه تعالى يفعل ذلك بحق. وكل ما فعل ما يكون حكمة وحقاً فإنه لا يخاف عاقبة فعله. وقال بعضهم : ذكر ذلك لا على وجه التحقيق لكن على وجه التحقير لهذا الفعل، أي هو أهون من أن تخشى فيه عاقبة، والله تعالى يجل أن يوصف بذلك، ومنهم من قال : المراد منه التنبيه على أنه بالغ في التعذيب، فإن كل ملك يخشى عاقبة، فإنه يتقي بعض الاتقاء، والله تعالى لما لم يخف شيئاً من العواقب، لا جرم ما اتقى شيئاً وثانيها : أنه كناية عن صالح الذي هو الرسول أي ولا يخاف صالح عقبى هذا العذاب الذي ينزل بهم وذلك كالوعد لنصرته ودفع المكاره عنه. لو حاول محاول أن يؤذيه لأجل ذلك وثالثها : المراد أن ذلك الأشقى الذي هو أحيمر ثمود. فيما أقدم من عقر الناقة ﴿وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ وهذه الآية وإن كانت متأخرة لكنها على هذا التفسير في حكم المتقدم، كأنه قال :(﴿وَأَنَّا لا نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الارْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَالِكَا كُنَّا طَرَآا ِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِى الارْضِ وَلَن نُّعْجِزَه هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ا ءَامَنَّا بِه ا فَمَنا يُؤْمِن بِرَبِّه فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا﴾ والله أعلم، روي أن صالحاً لما وعدهم العذاب بعد ثلاث، قال التسعة الذين عقروا الناقة : هلموا فلنقتل صالحاً، فإن كان صادقاً فأعجلناه قبلنا، وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته. فأتوه ليبيتوه فدمغتهم الملائكة بالحجار، فلما أبطأوا على أصحابهم أتوا منزل صالح، فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه لبسوا السلاح وقالوا لهم : والله لا تقتلونه قد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقاً زدتم ربكم عليكم غضباً، وإن كان كاذباً فأنتم من وراء ما تريدون، فانصرفوا عنه تلك الليلة فأصبحوا وجوههم مصفرة فأيقنوا بالعذاب فطلبوا صالحاً ليقتلوه فهرب صالح والتجأ إلى سيد بعض بطون ثمود وكان مشركاً فغيبه عنهم فلم يقدروا عليه ثم شغلهم عنه ما نزل بهم من العذاب، فهذا هو قوله :﴿وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٨٢
١٨٢