السؤال الأول : بأي طريق يعرف أن الآخرة كانت له خيراً من الأولى ؟
الجواب : لوجوه أحدها : كأنه تعالى يقول له إنك في الدنيا على خير لأنك تفعل فيها ما تريد، ولكن الآخرة خير لك لأنا نفعل فيها ما نريد وثانيها : الآخرة خير لك يجتمع عندك أمتك إذ الأمة له كالأولاد قال تعالى :﴿وَأَزْوَاجُه ا أُمَّهَـاتُهُمْ ﴾ (الأحزاب : ٦) وهو أب لهم، وأمته في الجنة فيكون كأن أولاده في الجنة، ثم سمى الولد قرة أعين، حيث حكى عنهم :﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّـاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ (الفرقان : ٧٤) وثالثها : الآخرة خير لك لأنك اشتريتها، أما هذه ليست لك، فعلى تقدير أن لو كانت الآخرة أقل من الدنيا لكانت الآخرة خيراً لك، لأن مملوكك خير لك مما لا يكون مملوكاً لك، فكيف ولا نسبة للآخرة إلى الدنيا في الفضل ورابعها : الآخرة خير لك من الأولى لأن في الدنيا الكفار يطعنون فيك أما في الآخرة فأجعل أمتك شهداء على الأمم، وأجعلك شهيداً على الأنبياء، ثم أجعل ذاتي شهيداً لك كما قال :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّه ﴾ (الفتح : ٢٩، ٢٨) وخامسها : أن خيرات الدنيا قليلة مشوبة منقطعة، ولذات الآخرة كثيرة خالصة دائمة.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٩٩
السؤال الثاني : لم قال :﴿وَلَلاخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ﴾ ولم يقل خير لكم ؟
الجواب : لأنه كان في جماعته من كانت الآخرة شراً له، فلو أنه سبحانه عمم لكان كذباً، ولو خصص المطيعين بالذكر لافتضح المذنبون والمنافقون. ولهذا السبب قال موسى عليه السلام :﴿كَلا إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ﴾ (الشعراء : ٦٢) وأما محمد صلى الله عليه وسلّم قالذي كان معه لما كان من أهل السعادة قطعاً، لا جرم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ (التوبة : ٤٠) إذ لم يكن ثم إلا نبي وصديق، وروي أن موسى عليه السلام خرج للاستسقاء، ومعه الألوف ثلاثة أيام فلم يجدوا الإجابة، فسأل موسى عليه السلام عن السبب الموجب لعدم الإجابة. فقال : لا أجيبكم ما دام معكم ساع بالنميمة، فسأل موسى من هو ؟
فقال :(إني) أبغضه فكيف أعمل عمله، فما مضت مدة قليلة حتى نزل الوحي بأن ذلك النمام قد مات، وهذه جنازته في مصلى، كذا فذهب موسى عليه السلام إلى تلك المصلى، فإذا فيها سبعون من الجنائز، فهذا ستره على أعدائه فكيف على أوليائه. ثم تأمل فإن فيه دقيقة لطيفة، وهي أنه عليه السلام قال :"لولا شيوخ ركع" وفيه إشارة إلى زيادة فضيلة هذه الأمة، فإنه تعالى كان يرد الألوف لمذنب واحد، وههنا يرحم المذنبين لمطيع واحد.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٩٩
٢٠٠


الصفحة التالية
Icon