المسألة الخامسة : أنه تعالى أخفى هذه الليلة لوجوه أحدها : أنه تعالى أخفاها، كما أخفى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات، حتى يرغبوا في الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان وثانيها : كأنه تعالى يثول : لو عينت ليلة القدر، وأنا عالم بتجاسركم على المعصية، فربما دعتك الشهوة في / تلك الليلة إلى المعصية، فوقعت في الذنب، فكانت معصيتك مع علمك أشد من معصيتك لا مع علمك، فلهذا السبب أخفيتها عليك، روى أنه عليه السلام دخل المسجد فرأى نائماً، فقال : يا علي نبهه ليتوضأ، فأيثظه علي، ثم قال علي : يا رسول الله إنك سباق إلى الخيرات، فلم لم تنبهه ؟
قال : لأن رده عليك ليس بكفر، ففعلت ذلك لتخف جنايته لو أبى، فإذا كان هذا رحمة الرسول، فقس عليه رحمة الرب تعالى، فكأنه تعالى يقول : إذا علمت ليلة القدر فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر، وإن غصيت فيها اكتسب عقاب ألف شهر، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب وثالثها : أني أخفيت هذه الليلة حتى يجتهد المكلف في طلبها، فيكتسب ثواب الاجتهاد ورابعها : أن العبد إذا لم يتيقن ليلة القدر، فإنه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان، على رجاء أنه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر، فيباهي الله تعالى بهم ملائكته، يقول : كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء. فهذا جده واجتهاده في الليلة المظنونة، فكيف لو جعلتها معلومة له فحينئذ يظهر سر قوله :﴿إِنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾.
المسألة السادسة : اختلفوا في أن هذه الليلة هل تستتبع اليوم ؟
قال الشعبي : نعم يومها كليلتها، ولعل الوجه فيه أن ذكر الليالي يستبع الأيام، ومنه إذا نذر اعتكاف ليلتين الزمناه بيوميهما قال تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ أي اليوم يخلف ليلته وبالضد.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٣٥


الصفحة التالية
Icon