المسألة الثالثة : قال الفراء : الزلزال بالكسر المصدر والزلزال بالفتح الاسم، وقد قرىء بهما، وكذلك الوسواس هم الاسم أي اسم الشيطان الذي يوسوس إليك، والوسواس بالكسر / المصدر، والمعنى : حركت حركة شديدة، كما قال :﴿إِذَا رُجَّتِ الارْضُ رَجًّا﴾ وقال قوم : ليس المراد من زلزلت حركت، بل المراد : تحركت واضطربت، والدليل عليه أنه تعالى يخبر عنها في جميع السورة كما يخبر عن المختار القادر، ولأن هذا أدخل في التهويل كأنه تعالى يقول : إن الجماد ليضطرب لأوائل القيامة، أما آن لك أن تضطرب وتتيقظ من غفلتك ويقرب منه :﴿لَّرَأَيْتَه خَـاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه ﴾ واعلم أن زل للحركة المعتادة، وزلزل للحركة الشديدة العظيمة، لما فيه من معنى التكرير، وهو كالصرصر في الريح، ولأجل شدة هذه الحركة وصفها الله تعالى بالعظم فقال :﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ﴾.
المسألة الرابعة : قال مجاهد : المراد من الزلزلة المذكورة في هذه الآية النفخة الأولى كقوله :﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ أي تزلزل في النفخة الأولى، ثم تزلزل ثانياً فتخرج موتاها وهي الأثقال، وقال آخرون : هذه الزلزلة هي الثانية بدليل أنه تعالى جعل من لوازمها أنها تخرج الأرض أثقالها، وذلك إنما يكون في الزلزلة الثانية.
المسألة الخامسة : في قوله :﴿زِلْزَالَهَا﴾ بالإضافة وجوه أحدها : القدر اللائق بها في الحكمة، كقولك : أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته، تريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة والثاني : أن يكون المعنى زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه/ والمعنى أنه وجد من الزلزلة كل ما يحتمله المحل والثالث :﴿زِلْزَالَهَا﴾ الموعود أو المكتوب عليها إذا قدرت تقدير الحي، تقريره ماروى أنها تزلزل من شدة صوت إسرافيل لما أنها قدرت تقدير الحي.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٥٦
٢٥٦
أما قوله :﴿وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الأثقال قولان :﴿أَحَدُهُمَآ﴾ أنه جمع ثقل وهو متاع البيت :﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالاً لها، قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها، وقيل : سمي الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم إذا كانوا في بطنها ويثقلون عليها إذا كانوا فوقها، ثم قال : المراد من هذه الزلزلة، الزلزلة الأولى يقول : أخرجت الأرض أثقالها، يعني الكنوز فيمتلىء ظهر الأرض ذهباً ولا أحد يلتفت إليه، كأن الذهب يصيح ويقول : أما كنت تخرب دينك ودنياك لأجلي أو تكون الفائدة في إخراجها كما قال تعالى :﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ﴾ ومن قال : المراد من هذه الزلزلة الثانية وهي بعد القيامة. قال : تخرج الأثقال يعني الموتى أحياء كالأم تلده حياً، وقيل : تلفظه الأسرار، ولذلك قال :﴿يَوْمَـاـاِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ فتشهد لك أو عليك.
المسألة الثانية : أنه تعالى قال في صفة الأرض :﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ كِفَاتًا﴾ ثم صارت بحال ترميك وهو تقرير لقوله :﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ وقوله :﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ﴾.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٥٦
٢٥٦
أما قوله تعالى :﴿وَقَالَ الانسَـانُ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : مالها تزلزل هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها، وذلك إما عند النفخة الأولى حين تلفظ ما فيها من الكنوز والدفائن، أو عند النفخة الثانية حين تلفظ ما فيها من الأموات.
المسألة الثانية : قيل : هذا قول الكافر وهو كما يقولون :﴿يَـاوَيْلَنَا مَنا بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ فأما المؤمن فيقول :﴿هَـاذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ وقيل : بل هو عام في حق المؤمن والكافر أي الإنسان الذي هو كنود جزوع ظلوم الذي من شأنه الغفلة والجهالة : يقول : مالها وهو ليس بسؤال بل هو للتعجب، لما يرى من العجائب التي لم تسمع بها الآذان. ولا تطلق بها لسان، ولهذا قال : الحسن إنه للكافر والفاجر معاً.
المسألة الثالثة : إنما قال : على غير المواجهة لأنه يعاتب بهذا الكلام نفسه، كأنه يقول : يا نفس ما للأرض تفعل ذلك يعني يا نفس أنت السبب فيه فإنه لولا معاصيك لما صارت الأرض كذلك فالكفار يقولون : هذا الكلام والمؤمنون يقولون :﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٥٦
٢٥٨
أما قوله تعالى :﴿يَوْمَـاـاِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ فاعلم أن ابن مسعود قرأ :﴿تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ وسعيد بن جبير تنبيء ثم فيه سؤالات :
الأول : أين مفعولاً تحدث ؟
الجواب : قد حذف أولهما والثاني أخبارها وأصله تحدث الخلق أخبارها إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيماً.