السؤال السابع : أليس أن كفار قريش كانوا ملأوا الكعبة من الأوثان من قديم الدهر، ولا شك أن ذلك كان أقبح من تخريب جدران الكعبة، فلم سلط الله العذاب على من قصد التخريب، ولم يسلط العذاب على من ملأها من الأوثان ؟
والجواب : لأن وضع الأوثان فيها تعد على حق الله تعالى، وتخريبها تعد على حق الخلق، ونظيره قاطع الطريق، والباغي والقاتل يقتلون مع أنهم مسلمون، ولا يقتل الشيخ الكبير والأعمى وصاحب الصومعة والمرأة، وإن كانوا كفار، لأنه لا يتعدى ضررهم إلى الخلق.
السؤال الثامن : كيف القول في إعراب هذه الآية ؟
الجواب : قال الزجاج : كيف في موضع نصب بفعل لا بقوله :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ لأن كيف من حروف الاستفهام.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٩٢
٢٩٤
واعلم أنه تعالى ذكر ما فعل بهم. فقال :﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن الكيد هو إرادة مضرة بالغير على الخفية، إن قيل : فلم سماه كيداً وأمره كان ظاهراً، فإنه كان يصرح أنه يهدم البيت ؟
قلنا : نعم، لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر، لأنه كان يضمر الحسد للعرب، وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة منهم ومن بلدهم إلى نفسه وإلى بلدته.
المسألة الثانية : قالت المعتزلة : إضافة الكيد إليهم دليل على أنه تعالى لا يرضى بالقبيح، إذ لو رضي لأضافه إلى ذاته، كقوله :﴿يَأْذَنَ لِى ﴾ والجواب : أنه ثبت في علم النحو أنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب، فلم لا يكفي في حسن هذه الإضافة وقوعه مطابقاً لإرادتهم واختيارهم ؟
المسألة الثالثة :﴿فِى تَضْلِيلٍ﴾ أي في تضييع وإبطال يقال : ضلل كيده إذا جعله ضالاً ضائعاً ونظيره قوله تعالى :﴿وَمَا دُعَآءُ الْكَـافِرِينَ إِلا فِى ضَلَـالٍ﴾ وقيل لامرىء القيس : الملك الضليل، لأنه ضلل ملك أبيه أي ضيعه. بمعنى أنهم كادوا البيت أولاً ببناء القليس وأرادوا أن يفتتحوا أمره بصرف وجوه الحاج إليه، فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه، ثم كادوه ثانياً بإرادة هدمه فضلل بإرسال الطير عليهم، ومعنى حرف الظرف كما يقال : سعى فلان في ضلال، أي سعيهم كان قد ظهر لكل عاقل أنه كان ضلال وخطأ.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٩٤
٢٩٤
ثم قال تعالى :﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ وفيه سؤالات :
السؤال الأول : لم قال :﴿طَيْرًا﴾ على التنكير ؟
والجواب : إما للتحقير فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر، أو للتفخيم كأنه يقول : طيراً وأي طير ترمى بحجارة صغيرة فلا تخطىء المقتل.
السؤال الثاني : ما الأبابيل الجواب : أما أهل اللغة قال أبو عبيدة : أبابيل جماعة في تفرقة، يقال : جاءت الخيل أبابيل أبابيل من ههنا وههنا، وهل لهذه اللفظة واحد أم لا ؟
فيه قولان : الأول : وهو قول الأخفش والفراء : أنه لا واحد لها وهو مثل الشماطيط والعباديد، لا وحد لها والثاني : أنه له واحد، ثم على هذا القول ذكروا ثلاثة أوجه أحدها : زعم أبو جعفر الرؤاسي وكان ثقة مأموناً أنه سمع واحدها إبالة، وفي أمثالهم : ضغث على إبالة، وهي الحزمة الكبيرة سميت الجماعة من الطير في نظامها بالإبالة وثانيها : قال الكسائي : كنت أسمع النحويين يقولون : إبول وأبابيل كعجول وعجاجيل وثالثها : قال الفراء : ولو قال قائل : واحد الأبابيل إيبالة كان صواباً كما قال : دينار ودنانير.
السؤال الثالث : ما صفة تلك الطير ؟
الجواب : روى ابن سيرين عن ابن عباس قال : كانت طيراً لها خراطيم كخراطيم الفيل وأكل كأكف الكلاب، وروى عطاء عنه قال : طير سود جاءت من قبل البحر فوجاً فوجاً، ولعل السبب أنها أرسلت إلى قوم كان في صورتهم سواد اللون وفي سرهم سواد الكفر والمعصية، وعن سعيد بن جبير أنها بيض صغار ولعل السبب أن ظلمة الكفر انهزمت بها، والبياض ضد السواد، وقيل : كانت خضراً ولها رءوس مثل رءوس السباع، وأقول : إنها لما كانت أفواجاً، فلعل كل فوج منها كان على شكل آخر فكل أحد وصف ما رأى، وقيل : كانت بلقاء كالخطاطيف.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٩٤
٢٩٤
ثم قال تعالى :﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو حيوة : يرميهم أي الله أو الطير لأنه اسم جمع مذكر، وإنما يؤنث على المعنى.
المسألة الثانية : ذكروا في كيفية الرمي وجوهاً أحدها : قال مقاتل : كان كل طائر يحمل ثلاثة أحجار، واحد في منقاره واثنان في رجليه يقتل كل واحد رجلاً، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه ما وقع منها حجر على موضع إلا خرج من الجانب الآخر، وإن وقع على رأسه خرج من دبره وثانيها : روى عكرمة عن ابن عباس، قال : لما أرسل الله الحجارة على أصحاب الفيل لم يقع حجر على أحد منهم إلا نفط جلده وثار به الجدري، وهو قول سعيد بن جبير، وكانت تلك الأحجار أصغرها مثل العدسة، وأكبرها مثل الحمصة.


الصفحة التالية
Icon