السؤال الرابع : ما الفائدة في قوله :﴿مِن جُوعٍ﴾ ؟
الجواب : فيه فوائد أحدها : التنبيه على أن أمر الجوع شديد، ومنه قوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنا بَعْدِ مَا قَنَطُوا ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلّم :"من أصبح آمناً في سربه" الحديث وثانيها : تذكيرهم الحالة الأولى الرديئة المؤلمة وهي الجوع حتى يعرفوا قدر النعمة الحاضرة وثالثها : التنبيه على أن خير الطعام ما سد الجوعة، لأنه لم يقل : وأشبعهم لأن الطعام يزيل الجوع، أما الإشباع فإنه يورث البطنة.
أما قوله تعالى :﴿الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن﴾ ففي تفسيره وجوه أحدها : أنهم كانوا يسافرون آمنين لا يتعرض لهم أحد، ولا يغير عليهم أحد لا في سفرهم/ ولا في حضرهم وكان غيرهم لا يأمنون من الغارة في السفر والحضر، وهذا معنى قوله :﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا﴾ ثانيها : أنه آمنهم من زحمة أصحاب الفيل وثالثها : قال الضحاك والربيع : وآمنهم من خوف الجزام، فلا يصيبهم ببلدتهم الجذام ورابعها : آمنهم من خوف أن تكون الخلافة في غيرهم وخامسها : آمنهم بالإسلام، فقد كانوا في الكفر يتفكرون، فيعلمون أن الدين الذي هم عليه ليس بشيء، إلا أنهم ما كانوا يعرفون الدين الذي يجب على العاقل أن يتمسك به وسادسها : أطعمهم من جوع الجهل بطعام الوحي، وآمنهم من خوف الضلال ببيان الهدى، كأنه تعالى يقول : يا أهل مكة كنتم قبل مبعث محمد تسمون جهال العرب وأجلافهم، ومن كان ينازعكم كانوا يسمون أهل الكتاب، ثم أنزلت الوحي على نبيكم، وعلمتكم الكتاب والحكمة حتى صرتم الآن تسمون / أهل العلم والقرآن، وأولئك يسمون جهال اليهود والنصارى، ثم إطعام الطعام الذي يكون غذاء الجسد يوجب الشكر، فإطعام الذي هو غذاء الروح، ألا يكون موجباً للشكر وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : لم لم يقل : عن جوع وعن خوف ؟
قلنا : لأن معنى عن أنه جعل الجوع بعيداً عنهم، وهذا يقتضي أن يكون ذلك التبعيد مسبوقاً بمقاشاة الجوع زماناً، ثم يصرفه عنه، ومن لا تقتضي ذلك، بل معناه أنهم عندما يجوعون يطعمون، وحين ما يخافون يؤمنون.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٠٣
السؤال الثاني : لم قال : من جوع، من خوف على سبيل التنكير ؟
الجواب : المراد من التنكير التعظيم. أما الجوع فلما روينا : أنه أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة. وأما الخوف، فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل، ويحتمل أن يكون المراد من التنكير التحقير، يكون المعنى أنه تعالى لما لم يجوز لغاية كرمه إبقاءهم في ذلك الجوع القليل والخوف القليل، فكيف يجوز في كرمه لو عبدوه أن يهمل أمرهم، ويحتمل أن يكون المراد أنه :﴿أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ﴾ دون جوع :﴿الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن﴾ دون خوف، ليكون الجوع الثاني، والخوف الثاني مذكراً ما كانوا فيه أولاً من أنواع الجوع والخوف، حتى يكونوا شاكرين من وجه، وصابرين من وجه آخر، فيستحقوا ثواب الخصلتين.
السؤال الثالث : أنه تعالى إنما أطعمهم وآمنهم إجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أما في الإطعام فهو قوله :﴿وَارْزُقْ أَهْلَه ﴾ وأما الأمان فهو قوله :﴿اجْعَلْ هَاذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا﴾ وإذا كان كذلك كان ذلك منة على إبراهيم عليه السلام، فكيف جعله منة على أولئك الحاضرين ؟
والجواب : أن الله تعالى لما قال :﴿إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ قال إبراهيم :﴿وَمِن ذُرِّيَّتِى ﴾ فقال الله تعالى :﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فنادى إبراهيم بهذا الأدب، فحين قال :﴿رَبِّ اجْعَلْ هَاذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَه مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ قيده بقوله :﴿مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ﴾ فقال الله : لا حاجة إلى هذا التقيد، بل ومن كفر فأمتعه قليلاً، فكأنه تعالى قال : أما نعمة الأمان فهي دينية فلا تحصل إلا لمن كان تقياً، وأما نعمة الدنيا فهي تصل إلى البر والفاجر والصالح والطالح، وإن كان كذلك كان إطعام الكافر من الجوع، وأمانه من الخوف إنعاماً من الله ابتداء عليه لا بدعوة إبراهيم، فزال السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٠٣
٣٠٤