﴿الْكَوْثَرَ﴾ السيد الكثير الخير، فلما رزق الله تعالى أن يذكره تلك النعمة الجسيمة فيقول :﴿إِنَّآ أَعْطَيْنَـاكَ الْكَوْثَرَ﴾ القول العاشر : الكوثر رفعة الذكر، وقد مر تفسيره في قوله :﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ القول الحادي عشر : أنه العلم قالوا : وحمل الكوثر على هذا أولى لوجوه أحدها : أن العلم هو الخير الكثير قال :﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُا وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ وأمره بطلب العلم، فقال :﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا﴾ وسمي الحكمة خيراً كثيراً، فقال :﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ وثانيها : أنا إما أن نحمل الكوثر على نعم الآخرة، أو على نعم الدنيا، والأول غير جائز لأنه قال : أعطينا، ونعم الجنة سيعطيها لا أنه أعطاها، فوجب حمل الكوثر على ما وصل إليه في الدنيا، وأشرف الأمور الواصلة إليه في الدنيا هو العلم والنبوة داخلة في العلم، فوجب حمل اللفظ على العلم وثالثها : أنه لما قال :﴿أَعْطَيْنَـاكَ الْكَوْثَرَ﴾ قال عقيبه :﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ والشيء الذي يكون متقدماً على العبادة هو المعرفة، ولذلك قال في سورة النحل :﴿أَنْ أَنذِرُوا أَنَّه لا إِلَـاهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ وقال في طه :﴿إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِى﴾ فقدم في السورتين المعرفة على العبادة/ ولأن فاء الموجب للعبادة ليس إلا العلم، القول الثاني عشر : أن الكوثر هو الخلق الحسن، قالوا : الانتفاع بالخلق الحسن عام ينتفع به العالم والجاهل والبهيمة والعاقل، فأما الانتفاع بالعلم، فهو مختص بالعقلاء، فكان نفع الخلق الحسن أعم، فوجب حمل الكوثر عليه، ولقد كان عليه السلام كذلك كان للأجانب كالوالد يحل عقدهم ويكفي مهمهم، وبلغ حسن خلقه إلى أنهم لما كسروا سنه، قال :"اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" القول الثالث عشر : الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة، فقال في الدنيا :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ وقال في الآخرة :"شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" وعن أبي هريرة قال عليه السلام :"إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" القول الرابع عشر : أن المراد من الكوثر هو هذه السورة، قال : وذلك لأنها مع / قصرها وافية بجميع منافع الدنيا والآخرة، وذلك لأنها مشتملة على المعجز من وجوه أولها : أنا إذا حملنا الكوثر على كثرة الأتباع، أو على كثرة الأولاد، وعدم انقطاع النسل كان هذا إخباراً عن الغيب، وقد وقع مطابقاً له، فكان معجزاً وثانيها : أنه قال :
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٢٣


الصفحة التالية
Icon