التاسع والثلاثون : مذهب أبي حنيفة أنه لا يثبت حق الفرقة بالعجز عن النفقة ولا بالعنة الطارئة يقول : لأنه كان قيماً فلا يحسن الإعراض عنه مع أنه تعيب فالحق سبحانه يقول : كنت قيماً ولم أتعيب، فكيف يجوز الإعراض عني :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الأربعون : هؤلاء الكفار كانوا معترفين بأن الله خالقهم :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ وقال في موضع آخر :﴿أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الارْضِ﴾ فكأنه تعالى يقول : هذه الشركة إما أن تكون مزارعة وذلك باطل، لأن البذر مني والتربية والسقي مني، والحفظ مني، فأي شيء للصنم، أو شركة الوجوه وذلك أيضاً باطل أترى أن الصنم أكثر شهرة وظهوراً مني، أو شركة الأبدان وذلك أيضاً باطل، ون ذلك يستدعي الجنسية، أو شركة العنان، وذلك أيضاً باطل، لأنه لا بد فيه من نصاب فما نصاب الأصنام، أو يقول ليس هذه من باب الشركة لكن الصنم يأخذ بالتغلب نصيباً من الملك/ فكأن الرب يقول : ما أشد جهلكم إن هذا الصنم أكثر عجزاً من الذبابة :﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾ فأنا أخلق البذر ثم ألقيه في الأرض، فالتربية والسقي والحفظ مني. ثم إن من هو أعجز من الذبابة يأخذ بالقهر والتغلب نصيباً مني، ما هذا بقول يليق بالعقلاء :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الحادي والأربعون : أنه لا ذرة في عالم المحدثات إلا وهي تدعو العقول إلى معرفة الذات والصفات / وأما الدعاة إلى معرفة أحكام الله فهم الأنبياء عليهم السلام، ولما كان كل بق وبعوضة داعياً إلى معرفة الذاتي والصفات قال :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْىِا أَن يَضْرِبَ مَثَلا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾، ذلك لأن هذه البعوضة بحسب حدوث ذاتها وصفاتها تدعو إلى قدرة الله بحسب تركيبها العجيب تدعوا إلى علم الله وبحسب تخصيص ذاتها وصفاتها بقدر معين تدعو إلى إرادة الله، فكأنه تعالى يقول : مثل هذا الشيء كيف يتسحيا منه، روى أن عمر رضي الله عنه كان في أيام خلافته دخل السوق فاشترى كرشاً وحمله بنفسه فرآه على من بعيد فتنكب على عن الطريق فاستقبله عمر وقال له : لم تنكبت عن الطريق ؟
فقال علي : حتى لا تستحي، فقال : وكيف أستحي من حمل ما هو غذائي فكأنه تعالى يقول : إذا كان عمر لا يستحي من الكرش الذي هو غذاؤه في الدنيا فكيف أستحي عن ذكر البعوض الذي يعطيك غذاء دينك، ثم كأنه تعالى يقول : يا محمد إن نمروذ لما ادعى الربوبية صاح عليه البعوض بالإنكار، فهؤلاء الكفار لما دعوك إلى الشرك أفلا تصيح عليهم أفلا تصرح بالرد عليهم :
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٣٤
﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ وإن فرعون لما ادعى الإلهية فجبريل ملأ فاه من الطين فإن كنت ضعيفاً فلست أضعف من بعوضة نمروذ، وإن كنت قوياً فلست أقوى من جبريل، فأظهر الإنكار عليهم و: ﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الثاني والأربعون : كأنه تعالى يقول يا محمد :﴿قُلْ﴾ بلسانك :﴿لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ واتركه قرضاً علي فإني أقضيك هذا القرض على أحسن الوجوه، ألا ترى أن النصراني إذا قال : أشهد أن محمداً رسول الله فأقول أنا لا أكتفي بهذا مالم تصرح بالبراءة عن النصرانية، فلما أوجبت على كل مكلف أن يتبرأ بصريح لسانه عن كل دين يخالف دينك فأنت أيضاً أوجب على نفسك أن تصرح برد كل معبود غيري فقل :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الثالث والأربعون : أن موسى عليه السلام كان في طبعه الخشونة فلما أرسل إلى فرعون قيل له :﴿فَقُولا لَه قَوْلا لَّيِّنًا﴾ وأما محمد عليه السلام فلما أرسل إلى الخلق أمر بإظهار الخشونة تنبيهاً على أنه في غاية الرحمة، فقيل له :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾.
أما قوله تعالى :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ﴾ ففيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon