المسألة الثانية : في المراد من التسبيح وجهان الأول : أنه ذكر الله بالتنزه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن فقال تنزيه الله عن كل سوء وأصله من سبح فإن السابح يسبح في الماء كالطير في الهواء ويضبط نفسه من أن يرسب فيه فيهلك أو يتلوث من مقر الماء ومجراه والتشديد للتبعيد لأنك تسبحه أي تبعده عما لا يجوز عليه، وإنما حسن استعماله في تنزيه الله عما لا يجوز عليه من صفات الذات والفعل نفياً وإثباتاً لأن السمكة كما أنها لا تقبل النجاسة فكذا الحق سبحانه لا يقبل مالا ينبغي البتة فاللفظ يفيد التنزيه في الذات والصفات والأفعال والقول الثاني : أن المراد بالتسبيح الصلاة لأن هذا اللفظ وارد في القرآن بمعنى الصلاة قال تعالى :﴿فَسُبْحَـانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ وقال :﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ والذي يؤكده أن هذه السورة من آخر ما نزل، وكان عليه السلام في آخر مرضه يقول :"الصلاة وما ملكت أيمانكم" جعل يلجلجها في صدره وما يقبض بها لسانه، ثم قال بعضهم : عني به صلاة الشكر صلاها يوم الفتح ثمان ركعات" وقال آخرون : هي صلاة الضحى، وقال آخرون : صلي ثمان ركعات أربعة للشكر وأربعة الضحى وتسمية الصلاة بالتسبيح لما أنها لا تنفك عنه وفيه تنبيه : على أنه يجب تنزيه صلاتك عن أنواع النقائص في الأقوال والأفعال، واحتج / أصحاب القول الأول بالأخبار الكثيرة الواردة في ذلك، روت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه السورة يكثر أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك، وقالت أيضاً : كان الرسول يقول كثيرا في ركوعه سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي وعنها أيضاً كان نبي الله في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلى قال سبحان الله وبحمده فقلت يا رسول الله إنك تكثر من قولة سبحان الله وبحمده قال : إني أمرت بها، وقرأ :﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ وعن ابن مسعود :"لما نزلت هذه السورة كان عليه السلام يكثر أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الغفور" وروى أنه قال :"إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة".
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٥٢
المسألة الثانية : الآية تدلى على فضل التسبيح والتحميد حيث جعل كافياً في أداء ما وجب عليه من شكر نعمة النصر والفتح، ولم لا يكون كذلك وقوله :"الصوم لي" من أعظم الفضائل للصوم فإنه أضافه إلى ذاته، ثم إنه جعل صدف الصلاة مساوياً للصوم في هذا التشريف :﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ﴾ فهذا يدل على أن الصلاة أفضل من الصوم بكثير/ ثم إن الصلاة صدف للأذكار ولذلك قال :﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ وكيف لا يكون كذلك، والثناء عليه مما مدحه معلوم عقلاً وشرعاً أما كيفية الصلاة فلا سبيل إليها إلا بالشرع ولذلك جعلت الصلاة كالمرصعة من التسبح والتكبير. فإن قيل : عدم وجوب التسبيحات يقتضي أنها أقل درجة من سائر أعمال الصلاة. قلنا الجواب عنه من وجوه : أحدها : أن سائر أفعال الصلاة مما لا يميل القلب إليه فاحتيج فيها إلى الإيجاب أما التسبيح والتهليل فالعقل داع إليه والروح عاشق عليه فاكتفى بالحب الطبيعي ولذلك قال :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا﴾، وثانيها : أن قوله :﴿فَسَبِّحْ﴾ أمر والأمر المطلق للوجوب عند الفقهاء، ومن قال : الأمر المطلق للندب قال : إنه ههنا للوجوب بقرينة أنه عطف عليه الاستغفار والاستغفار واجب ومن حق العطف التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه وثالثها : أنها لو وجبت لكان العقاب الحاصل بتركها أعظم إظهاراً لمزيد تعظيمها فترك الإيجاب خوفاً من هذا المحذور.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٥٢


الصفحة التالية
Icon