المسألة الثالثة : امرأته إن رفعته، ففيه وجهان أحدهما : العطف على الضمير في سيصلى، أي سيصلي هو وامرأته. وفي جيدها في موضع الحال والثاني : الرفع على الإبتداء، وفي جيدها الخبر.
المسألة الرابعة : عن أسماء لما نزلت ﴿تَبَّتْ﴾ جاءت أم جميل ولها ولولة وبيدها حجر، فدخلت المسجد، ورسول الله جالس ومعه أبو بكر، وهي تقول :
مذمماً قلينا ودينه أبينا وحكمه عصينا
فقال أبو بكر : يا رسول الله قد أقبلت إليك فأنا أخاف أن تراك، فقال عليه السلام :"إنها لا تراني" وقرأ :﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ وقالت لأبي بكر : قد ذكر لي أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول :
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٦١
قد علمت قريش أني بنت سيدها
وفي هذه الحكاية أبحاث :
الأول : كيف جاز في أم جميل أن لا ترى الرسول، وترى أبا بكر والمكان واحد ؟
الجواب : أما على قول أصحابنا فالسؤال زائل، لأن عند حصول الشرائط يكون الإدراك جائزاً لا واجباً، فإن خلق الله الإدراك رأى وإلا فلا، وأما المعتزلة فذكروا فيه وجوهاً أحدها : لعله عليه السلام أعرض وجهه عنها وولاها ظهره، ثم إنها كانت لغاية غضبها لم تفتش، أو لأن الله ألقى في قلبها خوفاً، فصار ذلك صارفاً لها عن النظر وثانيها : لعل الله تعالى ألقى شبه إنسان آخر على الرسول، كما فعل ذلك بعيسى وثالثها : لعل الله تعالى حول شعاع بصرها عن ذلك السمت حتى أنها ما رأته.
واعلم أن الإشكال على الوجوه الثلاثة لازم، لأن بهذه الوجوه عرفنا أنه يمكن أن يكون الشيء حاضر ولا نراه، وإذا جوزنا ذلك فلم لا يجوز أن يكون عندنا فيلات وبوقات، ولا نراها ولا نسمعها.
البحث الثاني : أن أبا بكر حلف أنه ما هجاك، وهذا من باب المعاريض، لأن القرآن لا يسمى هجواً، ولأنه كلام الله لا كلام الرسول، فدلت هذه الحكاية على جواز المعاريض.
بقي من مباحث هذه الآية سؤالان :
السؤال الأول : لم لم يكتف بقوله :﴿وَامْرَأَتُه ﴾ بل وصفها بأنها حمالة الحطب ؟
الجواب : قيل : كان له امرأتان سواها فأراد الله تعالى أن لا يظن ظان أنه أراد كل من كانت امرأة له، بل ليس المراد إلا هذه الواحدة.
السؤال الثاني : أن ذكر النساء لا يليق بأهل الكرم والمروءة، فكيف يليق ذكرها بكلام الله، ولا سيما امرأة العم ؟
الجواب : لما لم يستبعد في امرأة نوح وامرأة لوط بسبب كفر تينك المرأتين، فلأن لا يستعبد في امرأة كافرة زوجها رجل كافر أولى.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٦١
٣٦٣
قوله تعالى :﴿فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد ﴾ قال الواحدي : المسد في كلام العرب الفتل، يقال مسد الحبل يمسده مسداً إذا أجاد فتله، ورجل ممسود إذا كان مجدول الخلق، والمسد ما مسد أي فتل من أي شيء كان، فيقال لما فتل من جلود الإبل، ومن الليف والخوص مسد. ولما فتل من الحديد أيضاً مسد، إذا عرفت هذا فنقول ذكر المفسرون وجوهاً أحدها : في جيدها حبل مما مسد من الحبال لأنها كانت تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون، والمقصود بيان خساستها تشبيهاً لها بالحطابات إيذاءه لها ولزوجها وثانيها : أن يكون المعنى أن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل الحزمة من الشوك، فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيدها حبل من سلاسل النار.
فإن قيل : الحبل المتخذ من المسد كيف يبقى أبداً في النار ؟
قلنا : كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار، ومنهم من قال : ذلك المسد يكون من الحديد، وظن من ظن أن المسد لا يكون من الحديد خطأ، لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد أو من غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٦٣
٣٦٥


الصفحة التالية
Icon