المسألة الثانية : في حقيقة الحسد : إذا أنعم الله على أخيك فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد، وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة والمنافسة، أما الأول : فحرام بكل حال، إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر يستعين بها على الشر والفساد فلا يضرك محبتك لزوالها فإنك ما تحب زوالها من حيث إنها نعمة، بل من حيث إنها يتوسل بها إلى الفساد والشر والأذى. والذي يدل على أن الحسد ما ذكرنا آيات. أحدها : هذه الآية وهي قوله تعالى :﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنا بَعْدِ إِيمَـانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم﴾ فأخبر أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد. وثانيها : قوله تعالى :﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً ﴾ (النساء : ٨٩). وثالثها : قوله تعالى :﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾ (آل عمران : ١٢٠) وهذا الفرح شماتة، والحسد والشماتة متلازمان. ورابعها : ذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف وعبر عما في قلوبهم بقوله :﴿قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى ا أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ (يوسف : ٨، ٩) فبين تعالى أن حسدهم له عبارة عن كراهتهم حصول تلك النعمة له. وخامسها : قوله تعالى :﴿وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا ﴾ (الحشر : ٩) أي لا تضيق به صدورهم ولا يغتمون، فأثنى الله عليهم بعدم الحسد. وسادسها : قال تعالى في معرض الإنكار :﴿مَآ ءَاتَـاـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِه ا فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَاهِيمَ﴾ (النساء : ٥٤). وسابعها : قال الله تعالى :﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّانَ﴾ (البقرة : ٢١٣) إلى قوله :﴿إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنا بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَـاتُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ ﴾ (الشورى : ١٤) قيل في التفسير : حسداً. وثامنها : قوله تعالى :﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ ﴾ فأنزل الله العلم ليؤلف بينهم على طاعته فتحاسدوا واختلفوا، إذ أراد كل واحد أن ينفرد بالرياسة وقبول القول. وتاسعها : قال ابن عباس : كانت اليهود قبل مبعث النبي عليه السلام إذا قاتلوا قوماً قالوا : نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب الذي تنزله إلا تنصرنا/ فكانوا ينصرون، فلما جاء النبي عليه السلام من ولد إسماعيل عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم إياه فقال تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٤٤


الصفحة التالية
Icon