المسألة الأولى : في أحكام المساجد وفيه وجوه. الأول : في بيان فضل المساجد ويدل عليه القرآن والأخبار والمعقول، أما القرآن فآيات، أحدها : قوله تعالى :﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ (الجن : ١٨). أضاف المساجد إلى ذاته يلزم الاختصاص ثم أكد ذلك الاختصاص بقوله :﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾. وثانيها : قوله تعالى :﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ (التوبة : ١٨) فجعل عمارة المسجد دليلاً على الإيمان، بل الآية تدل بظاهرها على حصر الإيمان فيهم، لأن كلمة إنما للحصر. وثالثها : قوله تعالى :﴿فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه يُسَبِّحُ لَه فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ﴾ (النور : ٣٦). ورابعها : هذه الآية التي نحن في تفسيرها وهي قوله تعالى :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه ﴾ فإن ظاهرها يقتضي أن يكون الساعي في تخريب المساجد أسوأ حالاً من المشرك لأن قوله :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ يتناول المشرك لأنه تعالى قال : يتناول المشرك لأنه تعالى قال :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان : ١٣) فإذا كان الساعي في تخريبه في أعظم درجات الفسق وجب أن يكون الساعي في عمارته في أعظم درجات الإيمان. وأما الأخبار، فأحدها : ما روى الشيخان في صحيحيهما أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك وأحبوا أن يدعه، فقال عثمان رضي الله عنه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول :"من بنى لله مسجداً بنى الله له كهيئته في الجنة". وفي رواية أخرى :"بنى الله له بيتاً في الجنة". وثانيها : ما روى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال :"أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها"، واعلم أن هذا الخبر تنبيه على ما هو السر العقلي في تعظيم المساجد وبيانه أن الأمكنة والأزمنة إنما تتشرف بذكر الله تعالى، فإذا كان المسجد مكاناً لذكر الله تعالى حتى أن الغافل عن ذكر الله إذا دخل المسجد اشتغل بذكر الله والسوق على الضد من ذلك، لأنه موضع البيع والشراء والإقبال على الدنيا وذلك مما يورث الغفلة عن الله، والأعراض عن التفكر في سبيل الله، حتى أن ذاكر الله إذا دخل السوق فإنه يصير غافلاً عن ذكر الله لا جرم كانت المساجد أشرف المواضع والأسواق أخس المواضع. الثاني : في فضل المشي إلى المساجد (أ) عن أبي هريرة قال : قال عليه الصلاة والسلام :"من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئته والأخرى ترفع درجته"، رواه مسلم. (ب) أبو هريرة قال : قال عليه الصلاة والسلام :"من غدا أو راح إلى المسجد أعد الله له في الجنة منزلاً كلما غدا أو راح" أخرجاه في الصحيح. (ج) أبي بن كعب قال : كان رجل ما أعلم أحداً من أهل المدينة ممن يصلى إلى القبلة أبعد منزلاً منه من المسجد وكان لا تخطئه الصلوات مع الرسول عليه السلام، فقيل له : لو اشتريت حماراً لتركبه في الرمضاء والظلماء، فقال : والله ما أحب أن منزلي بلزق المسجد، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بذلك فسأله فقال : يا رسول الله كيما يكتب أثري وخطاي ورجوعي إلى أهلي وإقبالي وإدباري، فقال عليه الصلاة والسلام / "لك ما احتسبت أجمع" أخرجه مسلم. (د) جابر قال : خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال لهم :"أنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى قرب المسجد، فقالوا : نعم قد أردنا ذلك قال يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم". رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في حقهم :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠


الصفحة التالية
Icon