ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بدلو من ماء فصبوا عليه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠
المسألة الثانية : اختلف الفقهاء في دخول الكافر المسجد، فجوزه أبو حنيفة مطلقاً، وأباه مالك مطلقاً، وقال الشافعي رضي الله عنه : يمنع من دخول الحرم والمسجد الحرام، احتج الشافعي بوجوه. أولها : قوله تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـاذَا ﴾ (التوبة : ٢٨) قال الشافعي : قد يكون المراد من المسجد الحرام الحرم لقوله تعالى :﴿سُبْحَـانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (الإسراء : ١) وإنما أسرى به من بيت خديجة. فالآية دالة إما على المسجد فقط، أو على الحرم كله، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل، لأن الخلاف حاصل فيهما جميعاً، فإن قيل : المراد به الحج ولهذا قال :﴿بَعْدَ عَامِهِمْ هَـاذَا ﴾ لأن الحج إنما يفعل في السنة مرة واحدة، قلنا : هذا ضعيف لوجوه. أحدها : إنه ترك للظاهر من غير موجب. الثاني : ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وهذا يقتضي أن المانع من قربهم من المسجد الحرام نجاستهم، وذلك يقتضي أنهم ما داموا مشركين كانوا ممنوعين عن المسجد الحرام. الثالث : أنه تعالى لو أراد الحج لذكر من البقاع ما يقع فيه معظم أركان الحج وهو عرفة. الرابع : الدليل على أن المراد دخول الحرم لا الحج فقط قوله تعالى :﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِه ﴾ (التوبة : ٢٨) فأراد به الدخول للتجارة. وثانيها : قوله تعالى :﴿أُوالَـا ئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلا خَآئِفِينَ ﴾ وهذا يقتضي أن يمنعوا من دخول المسجد، وأنهم متى دخلوا كانوا خائفين من الإخراج إلا ما قام عليه الدليل فإن قيل : هذه الآية مخصوصة بمن خرب بيت المقدس، أو بمن منع رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العبادة في الكعبة، وأيضاً فقوله :﴿مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلا خَآئِفِينَ ﴾ ليس المراد منه خوف الإخراج، بل خوف الجزية والإخراج، قلنا : الجواب عن الأول : أن قوله تعالى :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـاجِدَ اللَّهِ﴾ ظاهر في العموم، فتخصيصه ببعض الصور خلاف الظاهر. وعن الثاني : أن الظاهر قوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠
﴿مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلا خَآئِفِينَ ﴾ يقتضي أن يكون ذلك الخوف إنما حصل من الدخول، وعلى ما يقولونه لا يكون الخوف متولداً من الدخول بل من شيء آخر، فسقط كلامهم. وثالثها : قوله تعالى :﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَـاجِدَ اللَّهِ شَـاهِدِينَ عَلَى ا أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ﴾ (التوبة : ١٧) وعمارتها تكون بوجهين. أحدهما : بناؤها وإصلاحها. والثاني : حضورها ولزومها/ كما تقول : فلان يعمر / مسجد فلان أي يحضره ويلزمه وقال النبي صلى الله عليه وسلّم :"إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان"، وذلك لقوله تعالى :﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ (التوبة : ١٨)، فجعل حضور المساجد عمارة لها. ورابعها : أن الحرم واجب التعظيم لقوله عليه الصلاة والسلام في الدعاء :"اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابة" فصونه عما يوجب تحقيره واجب وتمكين الكفار من الدخول فيه تعريض للبيت للتحقير لأنهم لفساد اعتقادهم فيه ربما استخفوا به وأقدموا على تلويثه وتنجيسه. وخامسها : أن الله تعالى أمر بتطهير البيت في قوله :﴿وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآاـاِفِينَ﴾ (الحج : ٢٦) والمشرك نجس لقوله تعالى ؛ ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (التوبة : ٢٨) والتطهير على النجس واجب فيكون تبعيد الكفار عنه واجباً. وسادسها : أجمعنا على أن الجنب يمنع منه، فالكافر بأن يمنع منه أولى إلا أن هذا مقتضى مذهب مالك وهو أن يمنع عن كل المساجد واحتج أبو حنيفة رحمه الله بأمور، الأول : روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قدم عليه وفد يثرب فأنزلهم المسجد. الثاني : قوله عليه الصلاة والسلام :"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الكعبة فهو آمن" وهذا يقتضي إباحة الدخول. الثالث : الكافر جاز له دخول سائر المساجد فكذلك المسجد الحرام كالمسلم، والجواب عن الحديثين الأولين : أنهما كانا في أول الإسلام ثم نسخ ذلك بالآية، وعن القياس أن المسجد الحرام أجل قدراً من سائر المساجد فظهر الفرق والله أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠
١٨
قوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُا فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
اعلم أن في هذه الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon