المسألة الرابعة : الروافض احتجوا بهذه الآية على القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من ثلاثة أوجه. الأول : أن أبا بكر وعمر كانا كافرين، فقد كانا حال كفرهما ظالمين، فوجب أن يصدق عليهما في تلك الحالة أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة، وإذا صدق عليهما في ذلك الوقت أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ولا في شيء من الأوقات ثبت أنهما لا يصلحان للإمامة. الثاني : أن من كان مذنباً في الباطن كان من الظالمين، فإذن ما لم يعرف أن أبا بكر وعمر ما كانا من الظالمين المذنبين ظاهراً وباطناً وجب أن لا يحكم بإمامتهما وذلك إنما يثبت في حق من تثبت عصمته ولما لم يكونا معصومين بالإتفاق وجب أن لا تتحقق إمامتهما البتة. الثالث : قالوا : كانا مشركين، وكل مشرك ظالم والظالم لا يناله عهد الإمامة فيلزم أن لا ينالهما عهد الإمامة، أما أنهما كانا مشركين فبالاتفاق، وأما أن المشرك ظالم فلقوله تعالى :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان : ١٣) وأما أن الظالم لا يناله عهد الإمامة فلهذه الآية، لا يقال إنهما كانا ظالمين حال كفرهما، فبعد زوال الكفر لا يبقى هذا الاسم لأنا نقول الظالم من وجد منه الظلم، وقولنا : وجد منه الظلم أعم من قولنا وجد منه الظلم في الماضي أو في الحال بدليل أن هذا المفهوم يمكن تقسيمه إلى هذين القسمين، ومورد التقسيم بالتقسيم بالقسمين مشترك بين القسمين وما كان مشتركاً بين القسمين لايلزم انتفاؤه لانتفاء أحد القسمين، فلا يلزم من نفى كونه ظالماً في الحال نفي كونه ظالماً والذي يدل عليه نظراً إلى الدلائل الشرعية أن النائم يسمى مؤمناً والإيمان هو التصديق والتصديق غير حاصل حال كونه نائماً، فدل على أنه يسمى مؤمناً لأن الإيمان كان حاصلاً قبل، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون ظالماً لظلم وجد من قبل، وأيضاً فالكلام عبارة عن حروف متوالية، والمشي عبارة عن حصولات متوالية في أحياز متعاقبة، فمجموع تلك الأشياء البتة لا وجود لها، فلو كان حصول المشتق منه شرطاً في كون الإسم المشتق حقيقة وجب أن يكون اسم المتكلم والماشي وأمثالهما حقيقة في شيء أصلاً، وأنه باطل قطعاً / فدل هذا على أن حصول المشتق منه ليس شرطاً لكون الاسم المشتق حقيقة ؟
والجواب : كل ما ذكرتموه معارض، بما أنه لو حلف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافراً قبل بسنين متطاولة فإنه لا يحنث، فدل على ما قلناه، ولأن التائب عن الكفر لا يسمى كافراً والتائب عن المعصية لا يسمى عاصياً، فكذا القول في نظائره، ألا ترى إلى قوله :﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ (هود : ١١٣) فإنه نهى عن الركون إليهم حال إقامتهم على الظلم، وقوله :﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ﴾ (التوبة : ٩١) معناه : ما أقاموا على الإحسان، على أنا بينا أن المراد من الإمامة في هذه الآية : النبوة، فمن كفر بالله طرفة عين فإنه لا يصلح للنبوة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠