المسألة السابعة ؛ اعلم أنه سبحانه بين أن له معك عهداً، ولك معه عهداً، وبين أنك متى تفي بعهدك، فإنه سبحانه يفي أيضاً بعهده فقال :﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ (البقرة : ٤٠) ثم في سائر الآيات فإنه أفرد عهدك بالذكر، وأفرد عهد نفسه أيضاً بالذكر، أما عهدك فقال فيه :﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـاهَدُوا ﴾ (البقرة : ١٧٧) وقال :﴿وَالَّذِينَ هُمْ لامَـانَـاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ (المؤمنون : ٨) وقال :﴿عَلِيمُ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ (المائدة : ١) وقال :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف : ٣٢) وأما عهده سبحانه وتعالى فقال فيه :﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِه مِنَ اللَّه ﴾ (التوبة : ١١١) م بين كيفية عهده إلى أبينا آدم فقال :﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى ا ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَه عَزْمًا﴾ (طه : ١١٥) ثم بين كيفية عهده إلينا فقال :﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـابَنِى ءَادَمَ﴾ (يس : ٦٠) ثم بين كيفية عهده مع بني إسرائيل فقال :﴿إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَآ أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ﴾ (آل عمران : ١٨٣) ثم بين كيفية عهده مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال :﴿وَعَهِدْنَآ إِلَى ا إِبْرَاه مَ وَإِسْمَـاعِيلَ﴾ (
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠
البقرة : ١٢٥) ثم بين في هذه الآية أن عهده لا يصل إلى الظالمين فقال :﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّـالِمِينَ﴾ فهذه المبالغة الشديدة في هذه المعاهدة تقتضي البحث عن حقيقة هذه المعاهدة فنقول : العهد المأخوذ عليك ليس إلا عهد الخدمة والعبودية، والعهد الذي التزمه الله تعالى من جهته ليس إلا عهد الرحمة والربوبية، ثم إن العاقل إذا تأمل في حال هذه المعاهدة لم يجد من نفسه إلا نقض هذا العهد، ومن ربه إلا الوفاء بالعهد، فلنشرع في معاقد هذا الباب فنقول : أول إنعامه عليك إنعام الخلق والإيجاد والإحياء وإعطاء العقل والآلة والمقصود من كل ذلك اشتغالك بالطاعة والخدمة والعبودية على ما قال :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات : ٥٦) ونزه نفسه عن أن يكون هذا الخلق والإيجاد منه على سبيل العبث فقال :﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـاعِبِينَ﴾ (الأنبياء : ١٦) ﴿مَا خَلَقْنَـاهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ﴾ (الدخان : ٣٩) وقال أيضاً :﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَـاطِلا ذَالِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (ص : ٢٧) وقال :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون : ١١٥) ثم بين على سبيل التفصيل ما هو الحكمة في الخلق والإيجاد فقال :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ فهو سبحانه وفى بعهد الربوبية حيث خلقك وأحياك وأنعم عليك بوجوه النعم وجعلك عاقلاً مميزاً فإذا لم تشتغل بخدمته وطاعته وعبوديته فقد نقضت عهد عبوديتك مع أن الله تعالى وفى بعهد ربوبيته. وثانيها : أن عهد الربوبية يقتضي إعطاء التوفيق والهداية وعهد العبودية منك يقتضي الجد والاجتهاد في العمل، ثم إنه وفى بعهد الربوبية فإنه ما ترك ذرة من الذرات إلا وجعلها هادية لك إلى سبيل الحق :﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَه ﴾ (الإسراء : ٤٤) وأنت ما وفيت البتة بعهد الطاعة والعبودية. وثالثها : أن نعمة الله بالإيمان أعظم النعم، والدليل عليه أن هذه النعمة لو فاتتك لكنت أشقى الأشقياء أبد الآبدين ودهر الداهرين، ثم هذه النعمة من الله تعالى لقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠