(أ) أنك تقول :"أخذت المال من ابنك" فتكسر النون ثم تقول :"أخذت المال من الرجل" فتفتح النون، فههنا اختلف آخر هذه الكلمة، وإذا اختلفت الأحوال دلت على اختصاص كل حالة بهذه الحركة، فههنا اختلف آخر هذه الكلمة باختلاف العوامل، فإنه لا / معنى للعامل إلا الأمر الدال على استحقاق هذه الحركات، فوجب كون هذه الكلمة معربة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
ب) كلمة"من" وردت على وجوه أربعة : إبتداء الغاية، والتبعيض، والتبيين، والزيادة.
(ج) قال المبرد : الأصل هو ابتداء الغاية، والبواقي مفرعة عليه، وقال آخرون : الأصل هو التبعيض، والبواقي مفرعة عليه.
(د) أنكر بعضهم كونها زائدة، وأما قوله تعالى :﴿يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ فقد بينوا أنه يفيد فائدة زائدة فكأنه قال يغفر لكم بعض ذنوبكم، ومن غفر كل بعض منه فقد غفر كله.
(هـ) الفرق بين من وبين عن لا بدّ من ذكره قال الشيطان ﴿ثُمَّ لاتِيَنَّهُم مِّنا بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ وَعَن شَمَآاـاِلِهِمْ ﴾ (الأعراف : ١٧) وفيه سؤالان : الأول : لم خص الأولين بلفظ من والثالث والرابع بلفظ عن. الثاني : لما ذكر الشيطان لفظ من ولفظ عن فلم جاءت الاستعاذة بلفظ من فقال :(أعوذ بالله من الشيطان) ولم يقل عن الشيطان.
النوع الرابع من مباحث هذا الباب : ـ
(أ) الشيطان مبالغة في الشيطنة، كما أن الرحمن مبالغة في الرحمة، والرجيم في حق الشيطان فعيل بمعنى مفعول، كما أن الرحيم في حق الله تعالى فعيل بمعنى فاعل، إذا عرفت هذا فهذه الكلمة تقتضي الفرار من الشيطان الرجيم إلى الرحمن الرحيم، وهذا يقتضي المساواة بينهما، وهذا ينشأ عنه قول الثنوية الذين يقولون إن الله وإبليس أخوان، إلا أن الله هو الأخ الكريم الرحيم الفاضل، وإبليس هو الأخ اللئيم الخسيس المؤذي، فالعاقل يفر من هذا الشرير إلى ذلك الخير.
(ب) الإله هل هو رحيم كريم ؟
فإن كان رحيماً كريماً فلم خلق الشيطان الرجيم وسلطه على العباد، وإن لم يكن رحيماً كريماً فأي فائدة في الرجوع إليه والاستعاذة به من شر الشيطان.
(ج) الملائكة في السموات هل يقولون :(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فإن ذكروه فإنما يستعيذون من شرور أنفسهم لا من شرور الشيطان.
(د) أهل الجنة في الجنة هل يقولون أعوذ بالله.
(هـ) الأنبياء والصديقون لم يقولون (أعوذ بالله) مع أن الشيطان أخبر أنه لا تعلق له بهم في قوله :﴿فَبِعِزَّتِكَ لاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (ص : ٨٢/ ٨٣).
(و) الشيطان أخبر أنه لا تعلق له بهم إلا في مجرد الدعوة حيث قال :﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـانٍ إِلا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ (إبراهيم : ٢٢) وأما الإنسان فهو الذي /ألقى نفسه في البلاء فكانت استعاذة الإنسان من شر نفسه أهم وألزم من استعاذته من شر الشيطان فلم بدأ بالجانب الأضعف وترك الجانب الأهم ؟
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
الكتاب الثاني
في مباحث بسم اللّه الرحمن الرحيم وفيه أبواب
الباب الأول
في مسائل جارية مجرى المقدمات وفيه مسائل
متعلق ياء البسملة :


الصفحة التالية
Icon