أولها : أن مدار هذه الرواية عن أن الأمم يكذبون أنبياءهم وهذا بناء على أن أهل القيامة قد يكذبون، وهذا باطل عند القاضي، إلا أنا سنتكلم على هذه المسألة في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى :﴿ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى ا أَنفُسِهِمْ ﴾ (الأنعام : ٢٣/٢٤).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٣
وثانيها : أن شهادة الأمة وشهادة الرسول مستندة في الآخرة إلى شهادة الله تعالى على صدق الأنبياء، وإذا كان كذلك فلم لم يشهد الله تعالى لهم بذلك ابتداء ؟
وجوابه : الحكمة في ذلك تمييز أمة محمد صلى الله عليه وسلّم في الفضل عن سائر الأمم بالمبادرة إلى تصديق الله تعالى وتصديق جميع الأنبياء، والإيمان بهم جميعاً، فهم بالنسبة إلى سائر الأمم كالعدل بالنسبة إلى الفاسق، فلذلك يقبل الله شهادتهم على سائر الأمم ولا يقبل شهادة الأمم عليهم إظهاراً لعدالتهم وكشفاً عن فضيلتهم ومنقبتهم.
وثالثها : أن مثل هذه الأخبار لا تسمى شهادة وهذا ضعيف لقوله عليه الصلاة والسلام :"إذا علمت مثل الشمس فاشهد" والشيء الذي أخبر الله تعالى عنه فهو معلوم مثل الشمس فوجب جواز الشهادة عليه.
الوجه الثاني : قالوا معنى الآية : لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا الحق فيها قال ابن زيد : الأشهاد أربعة. أولها : الملائكة الموكلون بإثبات أعمال العباد. قال تعالى :﴿وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآاـاِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ (ق : ٢١) وقال :﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق : ١٨) وقال :﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـافِظِينَ * كِرَامًا كَـاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ (الإنفطار : ١٠ ـ ١٢). وثانيها : شهادة الأنبياء وهو المراد بقوله حاكياً عن عيسى عليه السلام :﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ (المائدة : ١١٧) وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلّم وأمته في هذه الآية :﴿لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ وقال :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةا بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـا ؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء : ٤١). وثالثها : شهادة أمة محمد خاصة. قال تعالى :﴿وَجِا ى ءَ بِالنَّبِيِّـانَ وَالشُّهَدَآءِ﴾ (الز"مر : ٦٩) وقال تعالى :﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الاشْهَـادُ﴾ (غافر : ٥١). ورابعها : شهادة الجوارح وهي بمنزلة الإقرار بل أعجب منه قال تعالى :﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ (
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٣