مسائل الاسم العقلية :
النوع الثاني : من مباحث هذه الباب، المسائل العقلية : ـ
فنقول : أما حد الاسم وذكر أقسامه وأنواعه، فقد تقدم ذكره في أول هذا الكتاب وبقي ههنا مسائل : ـ
المسألة الأولى : قالت الحشوية والكرامية والأشعرية : الاسم نفس المسمى وغير التسمية وقالت المعتزلة : الاسم غير المسمى ونفس التسمية، والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى وغير التسمية.
وقبل الخوض في ذكر الدلائل لا بدّ من التنبيه على مقدمة ؛ وهي أن قول القائل :"الاسم / هل هو نفس المسمى أم لا" يجب أن يكون مسبوقاً ببيان أن الاسم ما هو، وأن المسمى ما هو، حتى ينظر بعد ذلك في أن الاسم هل هو نفس المسمى أم لا، فنقول : إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة، وبالمسمى تلك الذوات في أنفسها، وتلك الحقائق بأعيانها، فالعلم الضروري حاصل بأن الاسم غير المسمى، والخوض في هذه المسألة على هذا التقدير يكون عبثاً، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، وبالمسمى أيضاً تلك الذات كان قولنا الاسم هو المسمى معناه أن ذات الشيء عين الشيء، وهذا وإن كان حقاً إلا أنه من باب إيضاح الواضحات وهو عبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة الثانية : اعلم أنا استخرجنا لقول من يقول الاسم نفس المسمى تأويلاً لطيفاً دقيقاً، وبيانه أن الاسم اسم لكل لفظ دل على معنى من غير أن يدل على زمان معين، ولفظ الاسم كذلك، فوجب أن يكون لفظ الاسم إسماً لنفسه، فيكون لفظ الاسم مسمى بلفظ الاسم، ففي هذه الصورة الاسم نفس المسمى، إلا أن فيه إشكالاً، وهو أن كون الاسم إسماً للمسمى من باب الاسم المضاف، وأحد المضافين لا بدّ وأن يكون مغايراً للآخر.
المسألة الثالثة : في ذكر الدلائل الدالة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى، وفيه وجوه : ـ
الأول : أن الاسم قد يكون موجوداً مع كون المسمى معدوماً، فإن قولنا :"المعدوم منفي" معناه سلب لا ثبوت له، والألفاظ موجودة مع أن المسمى بها عدم محض ونفي صرف، وأيضاً قد يكون المسمى موجوداً والاسم معدوماً مثل الحقائق التي ما وضعوا لها أسماء معينة، وبالجملة فثبوت كل واحد منهما حال عدم الآخر معلوم مقرر وذلك يوجب المغايرة.
الثاني : أن الأسماء تكون كثيرة مع كون المسمى واحد كالأسماء المترادفة، وقد يكون الاسم واحداً والمسميات كثيرة كالأسماء المشتركة، وذلك أيضاً يوجب المغايرة.
الثالث : أن كون الاسم إسماً للمسمى وكون المسمى مسمى بالاسم من باب الإضافة كالمالكية والمملوكية، وأحد المضافين مغاير للآخر ولقائل أن يقول : يشكل هذا بكون الشيء عالماً بنفسه.
الرابع : الاسم أصوات مقطعة وضعت لتعريف المسميات، وتلك الأصوات أعراض غير باقية، والمسمى قد يكون باقياً، بل يكون واجب الوجود لذاته.
الخامس : أنا إذا تلفظنا بالنار والثلج فهذان اللفظان موجودان في ألسنتنا، فلو كان الاسم نفس المسمى لزم أن يحصل في ألسنتنا النار والثلج، وذلك لا يقوله عاقل.
السادس : قوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلّم :"إن لله تعالى تسعة وتسعين إسماً" فههنا الأسماء كثيرة والمسمى واحد/ وهو الله عزّ وجلّ.
السابع : أن قوله تعالى :﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ وقوله :﴿تَبَـارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ ففي هذه الآيات يقتضي إضافة الاسم إلى الله تعالى وإضافة الشيء إلى نفسه محال.
الثامن : أنا ندرك تفرقة ضرورية بين قولنا إسم الله، وبين قولنا اسم الاسم، وبين قولنا الله الله، وهذا يدل على أن الاسم غير المسمى.
التاسع : أنا نصف الأسماء بكونها عربية وفارسية فنقول : الله اسم عربي، وخداي اسم فارسي، وأما ذات الله تعالى فمنزه عن كونه كذلك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
العاشر : قال الله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ (الأعراف : ١٨٠) أمرنا بأن ندعو الله بأسمائه فالاسم آلة الدعاء، والمدعو هو الله تعالى، والمغايرة بين ذات المدعو وبين اللفظ الذي يحصل به الدعاء معلوم بالضرورة.
واحتج من قال الاسم هو المسمى بالنص، والحكم، أما النص فقوله تعالى :﴿تَبَـارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ (الرحمن : ٧٨) والمتبارك المتعالى هو الله تعالى لا الصوت ولا الحرف، وأما الحكم فهو أن الرجل إذا قال : زينب طالق، وكان زينب إسماً لامرأته وقع عليها الطلاق، ولو كان الاسم غير المسمى لكان قد أوقع الطلاق على غير تلك المرأة، فكان يجب أن لا يقع الطلاق عليها.
والجواب عن الأول أن يقال : لم لا يجوز أن يقال : كما أنه يجب علينا أن نعتقد كونه تعالى منزهاً عن النقائص والآفات، فكذلك يجب علينا تنزيه الألفاظ الموضوعة لتعريف ذات الله تعالى وصفاته عن العبث والرفث وسوء الأدب.
وعن الثاني أن قولنا زينب طالق معناه أن الذات التي يعبر عنها بهذا اللفظ طالق، فلهذا السبب وقع الطلاق عليها.


الصفحة التالية
Icon