المسألة الخامسة : اعلم أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب، فينقسم إلى موجود في الحال وإلى ما كان موجوداً في الماضي وإلى ما سيوجد في المستقبل، فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمى ذكراً وتذكراً وإن كان موجوداً في الحال : يسمى ذوقاً ووجداً وإنما سمي وجداً لأنها حالة تجدها من نفسك وإن كان قد خطر ببالك وجود شيء في الاستقبال وغلب ذلك على قلبك، سمى انتظاراً وتوقعاً/ فإن كان المنتظر مكروهاً حصل منه ألم في القلب يسمى خوفاً وإشفاقا، وإن كان محبوباً سمى ذلك ارتياحاً، والإرتياح رجاء، فالخوف هو تألم القلب لإنتظار ما هو مكروه عنده، والرجاء هو ارتياح القلب لإنتظار ما هو محبوب عنده، وأما الجوع فالمراد منه القحط وتعذر تحصيل القوت : قال القفال رحمه الله : أما الخوف الشديد فقد حصل لهم عند مكاشفتهم العرب بسبب الدين، فكانوا لا يأمنون قصدهم إياهم واجتماعهم عليهم، وقد كان من الخوف في وقعة الأحزاب ما كان، قال الله تعالى :﴿هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا﴾ (الأحزاب : ١١) وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة لقلة أموالهم، حتى أنه عليه السلام كان يشد الحجر على بطنه، وروى أبو الهيثم بن التيهان أنه عليه السلام لما خرج التقى مع أبي بكر قال : ما أخرجك ؟
قال : الجوع. قال : أخرجني ما أخرجك : وأما النقص في الأموال والأنفس فقد يحصل ذلك عند محاربة العدو بأن ينفق الإنسان ماله في الاستعداد للجهاد وقد يقتل، فهناك يحصل / النقص في المال والنفس وقال الله تعالى :﴿وَجَـاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾ (التوبة : ٤١) وقد يحصل الجوع في سفر الجهاد عند فناء الزاد قال الله تعالى :﴿ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (التوبة : ١٢٠) وقد يكون النقص في النفس بموت بعض الإخوان والأقارب على ما هو التأويل في قوله : دولا تقتلوا أنفسكم} وأما نقص الثمرات فقد يكون بالجدب وقد يكون بترك عمارة الضياع للإشتغال بجهاد الأعداء، وقد يكون ذلك بالإنفاق على من كان يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الوفود، هذا آخر كلام القفال رحمه الله، قال الشافعي رضي الله عنه : الخوف : خوف الله، والجوع : صيام شهر رمضان، والنقص من الأموال : الزكوات والصدقات، ومن الأنفس : الأمراض، ومن الثمرات : موت الأولاد ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الأشياء بين جملة الصابرين على هذه الأمور بقوله تعالى : وأما نقص الثمرات فقد يكون بالجدب وقد يكون بترك عمارة الضياع للإشتغال بجهاد الأعداء، وقد يكون ذلك بالإنفاق على من كان يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الوفود، هذا آخر كلام القفال رحمه الله، قال الشافعي رضي الله عنه : الخوف : خوف الله، والجوع : صيام شهر رمضان، والنقص من الأموال : الزكوات والصدقات، ومن الأنفس : الأمراض، ومن الثمرات : موت الأولاد ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الأشياء بين جملة الصابرين على هذه الأمور بقوله تعالى :﴿وَبَشِّرِ الصَّـابِرِينَ﴾ (البقرة : ١٥٥) وفيه مسائل :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٨
المسألة الأولى : اعلم أن الصبر واجب على هذه الأمور إذا كان من قبله تعالى لأنه يعلم أن كل ذلك عدل وحكمة، فأما من لم يكن محققاً في الإيمان كان كمن قال فيه :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍا فَإِنْ أَصَابَه خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِه ا وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِه خَسِرَ﴾. فأما ما يكون من جانب الظلمة فلا يجب الصبر عليه مثاله : أن المراهق يلزمه أن يصبر على ما يفعله به أبوه من التأديب، ولو فعله به غيره، لكان له أن يمانع بل يحارب، وكذا في العبد مع مولاه فما يدبر تعالى عباده عليه ليس ذلك إلا حكمة وصواباً بخلاف ما يفعل العباد من الظلم.
المسألة الثانية : الخطاب في ﴿وَبَشِّرِ﴾ لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أو لكل من يتأتى منه البشارة.