ضحوا بأشمط عنوان السجود به
يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
أي قراءة، وقال الله سبحانه وتعالى :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى ﴾ (الإسراء : ٧٨) هذا هو الأصل، ثم إن المقروء يسمى قرآناً، لأن المفعول يسمى بالمصدر كما قالوا للمشرب : شراب وللمكتوب كتاب، واشتهر هذا الإسم في العرف حتى جعلوه اسماً لكلام الله تعالى وثانيها : قال الزجاج وأبو عبيدة : إنه مأخوذ من القرء وهو الجمع، قال عمرو :
هجان اللون لم تقرأ جنينا
أي لم تجمع في رحمها ولدا، ومن هذا الأصل : قرء المرأة وهو أيام اجتماع الدم في رحمها، فسمي القرآن قرآناً، لأنه يجمع السور ويضمها وثالثها : قول قطرب وهو أنه سمي قرآنا، لأن القارىء يكتبه، وعند القراءة كأنه يلقيه من فيه أخذاً من قول العرب : ما قرأت الناقة سلى قط، أي ما رمت بولد وما أسقطت ولداً قط وما طرحت، وسمي الحيض، قرأ لهذا التأويل، فالقرآن / يلفظه القارىء من فيه ويلقيه فسمي قرآناً.
المسألة الثالثة : قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى :﴿وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ (البقرة : ٢٣) أن التنزيل مختص بالنزول على سبيل التدريج، والإنزال مختص بما يكون النزول فيه دفعة واحدة، ولهذا قال الله تعالى :﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاـاةِ وَالانجِيلَ﴾ إذا ثبت هذا فنقول : لما كان المراد ههنا من قوله تعالى :﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ﴾ أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، لا جرم ذكره بلفظ الإنزال دون التنزيل، وهذا يدل على أن هذا القول راجح على سائر الأقوال. أما قوله :﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : بينا تفسير الهدى في قوله تعالى :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة : ٢).
والسؤال أنه تعالى جعل القرآن في تلك الآية هدى للمتقين، وههنا جعله هدى للناس، فكيف وجه الجمع ؟
وجوابه ما ذكرناه هناك.
المسألة الثانية :﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ﴾ نصب على الحال، أي أنزل وهو هداية للناس إلى الحق وهو آيات واضحات مكشوفات مما يهدي إلى الحق ويفرق بين الحق والباطل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
أما قوله تعالى :﴿وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ ففيه إشكال وهو أن يقال : ما معنى قوله :﴿وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى ﴾ بعد قوله :﴿هُدَى﴾.
وجوابه من وجوه الأول : أنه تعالى ذكر أولا أنه هدى، ثم الهدى على قسمين : تارة يكون كونه هدى للناس بينا جلياً، وتارة لا يكون كذلك، والقسم الأول لا شك أنه أفضل فكأنه قيل : هو هدى لأنه هو البين من الهدى، والفارق بين الحق والباطل، فهذا من باب ما يذكر الجنس ويعطف نوعه عليه، لكونه أشرف أنواعه، والتقدير كأنه قيل : هذا هدى، وهذا بين من الهدى، وهذا بينات من الهدى، ولا شك أن هذا غاية المبالغات الثاني : أن يقال : القرآن هدى في نفسه، ومع كونه كذلك فهو أيضاً بينات من الهدى والفرقان، والمراد بالهدى والفرقان : التوراة والإنجيل قال الله تعالى :﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاـاةِ وَالانجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ (آل عمران : ٣ ـ ٤) وقال :﴿وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (البقرة : ٥٣) وقال ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَـارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (الأنبياء : ٤٨٠) فبين تعالى وتقدس أن القرآن مع كونه هدى في نفسه ففيه أيضاً هدى من الكتب المتقدمة التي هي هدى وفرقان الثالث : أن يحمل الأول على أصول الدين، والهدي الثاني على فروع الدين، فحينئذ يزول التكرار والله أعلم.
وأما قوله تعالى :﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : نقل الواحدي رحمه الله في "البسيط" عن الأخفش والمازني أنهما قالا : الفاء في قوله :﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه ﴾ زائدة، قالا : وذلك لأن الفاء قد تدخل للعطف أو للجزاء / أو تكون زائدة، وليس للعطف والجزاء ههنا وجه، ومن زيادة الفاء قوله تعالى :﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّه مُلَـاقِيكُم ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَـالِمِ الْغَيْبِ﴾ (الجمعه : ٨).


الصفحة التالية
Icon