فقيل له : أترفث ؟
فقال : إنما الرفث ما كان عند النساء فثبت أن الأصل في الرفث هو قول الفحش ثم جعل ذلك اسما لما يتكلم به عند النساء من معاني الإفضاء، ثم جعل كناية عن الجماع وعن كل ما يتبعه.
فإن قيل : لم كنى ههنا عن الجماع بلفظ الرفث الدال على معنى القبح بخلاف قوله :﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ (النساء : ٢١) ﴿فَلَمَّا تَغَشَّـاـاهَا﴾ (الأعراف : ١٨٩) ﴿أَوْ لَـامَسْتُمُ النِّسَآءَ﴾ (النساء : ٤٣) ﴿دَخَلْتُم بِهِنَّ﴾ (النساء : ٢٣) ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ (البقرة : ٢٢٣) ﴿مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ (البقرة : ٢٣٦) ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِه مِنْهُنَّ﴾ (النساء : ٢٤) ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ (البقرة : ٢٢٢).
جوابه : السبب فيه استهجان ما وجد منهم قبل الإباحة كما سماه اختيانا لأنفسهم، والله اعلم.
المسألة السادسة : قال الأخفش : إنما عدى الرفث بإلى لتضمنه معنى الإفضاء في قوله :﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ (النساء : ٢١).
المسألة السابعة : قوله :﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ﴾ يقتضي حصول الحل في جميع الليل لأن ﴿لَيْلَةَ﴾ نصب على الظرف، وإنما يكون الليل ظرفاً للرفث لو كان الليل كله مشغولا بالرفث، وإلا لكان ظرف ذلك الرفث بعض الليل لاكله، فعلى هذا النسخ حصل بهذا اللفظ، وأما الذي بعده في قوله :﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الابْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاسْوَدِ﴾ فذاك يكون كالتأكيد لهذا النسخ، وأما الذي يقول : إن قوله :﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ﴾ يفيد حل الرفث في الليل، فهذا القدر لا يقتضي حصول النسخ به فيكون الناسخ هو قوله :﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٧
أما قوله تعالى :﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قد ذكرنا في تشبيه الزوجين باللباس وجوها أحدها : أنه لما كان الرجل والمرأة يعتنقان، فيضم كل واحد منهما جسمه إلى جسم صاحبه حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه، سمي كل واحد منهما لباساً، قال الربيع : هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن، وقال ابن زيد : عن لباس لكن وأنتم لباس لهن، يريد أن كل واحد منهما يستر صاحبه عند الجماع عن أبصار الناس وثانيها : إنما سمي الزوجان لباساً ليستر كل واحد منهما صاحبه عما لا يحل، كما جاء في الخبر "من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه" وثالثها : أنه تعالى جعلها لباساً للرجل، من حيث إنه يخصها بنفسه، كما يخص لباسه بنفسه، ويراها أهلاً لأن يلاقي كل بدنه كل بدنها كما يعمله في اللباس ورابعها : يحتمل أن يكون المراد ستره بها عن جميع المفاسد التي تقع في البيت، لو لم تكن المرأة حاضرة، كما يستتر الإنسان بلباسه عن الحر والبرد وكثير من المضار وخامسها : ذكر الأصم أن المراد أن كل واحد منهما كان كاللباس الساتر للآخر في ذلك المحظور الذي يفعلونه، وهذا ضعيف لأنه تعالى أورد هذا الوصف على طريق الإنعام علينا، فكيف يحمل على التستر بهن في المحظور.
المسألة الثانية : قال الواحدي : إنما وحد اللباس بعد قوله ﴿هُنَّ﴾ لأنه يجري مجرى المصدر، وفعال من مصادر فاعل، وتأويله : هن ملابسات لكم.
المسألة الثالثة : قال صاحب "الكشاف" : فإن قلت : ما موقع قوله :﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ﴾ فنقول : هو استئناف كالبيان لسبب الإحلال، وهو أنه إذا حصلت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة قل صبركم عنهن، وضعف عليكم اجتنابهن، فلذلك رخص لكم في مباشرتهن.
أما قوله تعالى :﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : يقال : خانه يخونه خوناً وخيانة إذا لم يف له، والسيف إذا نبا عن الضربة فقد خانك، وخانه الدهر إذا تغير حاله إلى الشر، وخان الرجل الرجل إذا لم يؤد الأمانة، وناقض العهد خائن، لأنه كان ينتظر منه الوفاء فغدر، ومنه قوله تعالى :﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً﴾ (الأنفال : ٥٨) أي نقضاً للعهد، ويقال للرجل المدين : إنه خائن، لأنه لم يف بما يليق بدينه، ومنه قوله تعالى :﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُمْ﴾ (الأنفال : ٢٧) وقال :﴿وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ﴾ (الأنفال : ٧١) ففي هذه الآية سمى الله المعصية بالخيانة، وإذا علمت معنى الخيانة، فقال صاحب "الكشاف" : الاختيان من الخيانة، كالاكتساب من الكسب فيه زيادة وشدة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٧