وأقول : ثمانية منها في سورة البقرة أولها :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ (البقرة : ١٨٦) وثانيها : هذه الآية ثم الستة الباقية بعد في سورة البقرة، فالمجموع ثمانية في هذه السورة والتاسع : قوله تعالى في سورة المائدة :﴿يَسْـاَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ (المائدة : ٤) والعاشر : في سورة الأنفال ﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ ﴾ (الأنفال : ١) والحادي عشر : في بني إسرائيل ﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ﴾ (الإسراء : ٨٥) والثاني عشر : في الكهف ﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ ﴾ (الكهف : ٨٣) والثالث عشر : في طه ﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ (طه : ١٠٥) والرابع عشر : في النازعات ﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ (النازعات : ٤٢) ولهذه الأسئلة ترتيب عجيب : اثنان منها في الأول في شرح المبدأ فالأول : قوله :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ (البقرة : ١٨٦) وهذا سؤال عن الذات والثاني : قوله :﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ ﴾ وهذا سؤال عن صفة الخلاقية والحكمة في جعل الهلال على هذا الوجه، واثنان منها في الآخرة في شرح المعاد أحدهما : قوله :﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ والثاني : قوله :﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـاـاهَا ﴾ (الأعراف : ١٨٧) ونظير هذا أنه ورد في القرآن سورتان أولهما :﴿يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ﴾ (البقرة : ٢١) أحدهما : في النصف الأول : وهي السورة الرابعة من سورة النصف الأول، فإن أولاها الفاتحة وثانيتها البقرة وثالثها آل عمران ورابعتها النساء وثانيتهما : في النصف الثاني من القرآن وهي أيضاً السورة الرابعة من سور النصف الثاني أولاها مريم، وثانيتها طه، وثالثتها الأنبياء، ورابعتها الحج، ثم ﴿يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ﴾ التي في النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ فقال ﴿ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ (النساء : ١) و﴿يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ﴾ التي في النصف الثاني تشتمل على شرح المعاد فقال :﴿تَصِفُونَ * يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ﴾ (الحج : ١) فسبحان من له في هذا القرآن أسرار خفية، وحكم مطوية لا يعرفها إلا الخواص من عبيده.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٠
المسألة الثانية : روي أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم وكل واحد منهما كان من الأنصار قالا يا رسول الله : ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلىء ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا، لا يكون على حالة واحدة كالشمس، فنزلت هذه الآية ويروى أيضاً عن معاذ أن اليهود سألت عن الأهلة.
واعلم أن قوله تعالى :﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ ﴾ ليس فيه بيان إنهم عن أي شيء سألوا لكن الجواب كالدال على موضع السؤال، لأن قوله :﴿قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ يدل على أن سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغير حال الأهلة في النقصان والزيادة، فصار القرآن والخبر متطابقين في أن السؤال كان عن هذا المعنى.
المسألة الثالثة : الأهلة جمع هلال وهو أول حال القمر حين يراه الناس، يقال له : هلال ليلتين من أول الشهر ثم يكون قمراً بعد ذلك، وقال أبو الهيثم : يسمى القمر ليلتين من أول الشهر هلالاً، وكذلك ليلتين من آخر الشهر، ثم يسمي ما بَين ذلك قمراً، قال الزجاج : فعال يجمع في أقل العدد على أفعلة، نحو مثال وأمثلة، وحمار وأحمرة، وفي أكثر العدد يجمع على فعل مثل حمر لأنهم كرهوا في التضعيف فعل، نحو هلل وخلل، فاقتصروا على جمع أدنى العدد.
أما قوله تعالى :﴿قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ مسألتان :
المسألة الأولى : المواقيت جمع الميقات بمعنى الوقت كالميعاد بمعنى الوعد، وقال بعضهم الميقات منتهى الوقت، قال الله تعالى :﴿فَتَمَّ مِيقَـاتُ رَبِّه ﴾ (الأعراف : ١٤٢) والهلال ميقات الشهر، ومواضع الإحرام مواقيت الحج لأنها مواضع ينتهي إليها، ولا تصرف مواقيت لأنها غاية الجموع، فصار كأن الجمع يكرر فيها فإن قيل : لم صرفت قوارير ؟
قيل : لأنها فاصلة وقعت في رأس آية، فنون ليجري على طريقة / الآيات، كما تنون القوافي، مثل قوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٠
أقل اللوم عاذل والعتابن


الصفحة التالية
Icon