المسألة السادسة في القول : هذا التركيب بحسب تقاليبه الستة يدل على الحركة والخفة، فالأول :"ق ول" فمنه القول ؛ لأن ذلك أمر سهل على اللسان، الثاني :"ق ل و" ومنه القلو وهو حمار الوحش، وذلك لخفته في الحركة ومنه "قلوت البر والسويق" فهما مقلوان، لأن الشيء إذا قلي جف وخف فكان أسرع إلى الحركة، ومنه القلولي، وهو الخفيف الطائش، والثالث :"و ق ل" الوقل الوعل، وذلك لحركته، ويقال "توقل في الجبل" إذا صعد فيه، والرابع :"و ل ق" يقال : ولق يلق إذا أسرع، وقرىء ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَه بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ (النور : ١٥) أي : تخفون وتسرعون، والخامس :"ل وق" كما جاء في الحديث "لا آكل الطعام إلا ما لوق لي" أي : أعملت اليد في تحريكه وتليينه حتى يصلح، ومنه اللوقة وهي الزبدة قيل لها ذلك لخفتها وإسراع حركتها لأنه ليس بها مسكة الجبن والمصل، والسادس :"ل ق و" ومنه اللقوة وهي العقاب، قيل لها ذلك لخفتها وسرعة طيرانها، ومنه اللقوة في الوجه لأن الوجه اضطرب شكله فكأنه خفة فيه وطيش، واللقوة الناقة السريعة اللقاح.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة السابعة : قال ابن جني رحمه الله تعالى : اللغة فعلة من لغوت أي : تلكمت، وأصلها لغوة ككرة وقلة فإن لاماتها كلها واوات، بدليل قولهم كروت بالكرة وقاوت بالقلة، وقيل فيه لغى يلغى إذا هذا، ومنه قوله تعالى :﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (الفرقان : ٧٢) قلت : إن ابن جني قد اعتبر الاشتقاق الأكبر في الكلمة والقول ولم يعتبره ههنا، وهو حاصل فيه، فالأول :"ل غ و" ومنه اللغة ومنه أيضاً الكلام اللغو، والعمل اللغو، والثاني :"ل وغ" ويبحث عنه، والثالث :"غ ل و" ومنه يقال : لفلان غلو في كذا، ومنه الغلوة، والرابع :"غ ول" ومنه قوله تعالى :﴿لا فِيهَا غَوْلٌ﴾ (الصفات : ٤٧) والخامس :"و غ ل" ومنه يقال : فلان أوغل في كذا والسادس :"و ل غ" ومنه يقال : ولغ الكلب في الإناء، ويشبه أن يكون القدر المشترك بين الكل هو الإمعان في الشيء والخوض التام فيه.
المسألة الثامنة في اللفظ : وأقول : أظن أن إطلاق اللفظ على هذه الأصوات والحروف على سبيل المجاز، وذلك لأنها إنما تحدث عنه إخراج النفس من داخل الصدر إلى الخارج فالإنسان عند إخراج النفس من داخل الصدر إلى الخارج يحبسه في المحابس المعينة، ثم يزيل ذلك الحبس، فتتولد تلك الحروف في آخر زمان حبس النفس وأول زمان إطلاقه، والحاصل أن اللفظ هو : الرمي، وهذا المعنى حاصل في هذه الأصوات والحروف من وجهين : الأول : أن الإنسان يرمي ذلك النفس من داخل الصدر إلى خارجه ويلفظه، وذلك هو الإخراج، واللفظ سبب لحدوث هذه الكلمات، فأطلق اسم اللفظ على هذه الكلمات لهذا السبب، والثاني : أن تولد الحروف لما كان بسبب لفظ ذلك الهواء من الداخل إلى الخارج صار ذلك شبيهاً بما أن الإنسان يلفظ تلك الحروف ويرميها من الداخل إلى الخارج، والمشابهة إحدى أسباب المجاز.
المسألة التاسعة، العبارة : وتركيبها من "ع ب ر" وهي في تقاليبها الستة تفيد العبور والانتقال، فالأول :"ع ب ر" ومنه العبارة لأن الإنسان لا يمكنه أن يتكلم بها إلا إذا انتقل من حرف إلى حرف آخر ؛ وأيضاً كأنه بسبب تلك العبارة ينتقل المعنى من ذهن نفسه إلى ذهن السامع، ومنه العبرة لأن تلك الدمعة تنتقل من داخل العين إلى الخارج، ومنه العبر لأن الإنسان ينتقل فيها من الشاهد إلى الغائب. ومنه المعبر لأن الإنسان ينتقل بواسطته من أحد طرفي البحر إلى الثاني، ومنه التعبير لأنه ينتقل مما يراه في النوم إلى المعاني الغائبة، والثاني :"ع ر ب" ومنه تسمية العرب بالعرب لكثرة انتقالاتهم بسبب رحلة الشتاء والصيف / ومنه "فلان أعرب في كلامه" لأن اللفظ قبل الإعراب يكون مجهولاً فإذا دخله الإعراب انتقل إلى المعرفة والبيان، والثالث :"ب ر ع" ومنه "فلان برع في كذا" إذا تكامل وتزايد، الرابع :"ب ع ر" ومنه البعر لكونه منتقلاً من الداخل إلى الخارج، الخامس :"ر ع ب" ومنه يقال للخوف رعب لأن الإنسان ينتقل عند حدوثه من حال إلى حال أخرى، والسادس :"ر ب ع" ومنه الربع لأن الناس ينتقلون منها وإليها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
الفرق بين الكلمة والكلام :


الصفحة التالية
Icon