أما قوله تعالى :﴿وَأَحْسِنُوا ا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اختفلوا في أن المحسن مشتق من ماذا وفيه وجوه الأول : أنه مشتق من فعل الحسن وأنه كثر استعماله فيمن ينفع غيره بنفع حسن من حيث أن الإحسان حسن في نفسه، وعلى هذا التقدير فالضرب والقتل إذا حسناً كان فاعلهما محسناً الثاني : أنه مشتق من الإحسان، ففاعل الحسن لا يوصف بكونه محسناً إلا إذا كان فعله حسناً وإحساناً معاً، فالإشتقاق إنما يحصل من مجموع الأمرين.
المسألة الثانية : قوله :﴿وَأَحْسِنُوا ﴾ فيه وجوه أحدها : قال الأصم : أحسنوا في فرائض الله وثانيها : وأحسنوا في الإنفاق على من تلزمكم مؤنته ونفقته، والمقصود منه أن يكون ذلك الإنفاق وسطاً فلا تسرفوا ولا تقتروا، وهذا هو الأقرب لاتصاله بما قبله ويمكن حمل الآية على جميع الوجوه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٣
وأما قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فهو ظاهر وقد تقدم تفسيره مراراً.
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :﴿الْحَجُّ﴾ في اللغة عبارة عن القصد وإنما يقال : حج فلان الشيء إذا قصده مرة بعد أخرى، وأدام الاختلاف إليه بكسر الحاء السنة، وإنما قيل لها حجة لأن الناس يحجون في كل سنة، وأما في الشرع فهو اسم لأفعال مخصوصة منها أركان ومنها أبعاض ومنها هيئات، فالأركان ما لا يحصل التحلل حتى يأتي به والأبعاض هي الواجبات التي إذا ترك شيء يجبر بالدم، والهيئات ما لا يجب الدم على تركها، والأركان عندنا خمسة : الإحرام والوقوف بعرفة والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وفي حلق الرأس أو تقصيره قولان : أصحهما أنه نسك لا يحصل التحلل إلا به، وأما الأبعاض فهي الإحرام من الميقات والمقام بعرفة إلى المغرب في قول والبيتوتة بمزدلفة ليلة النحر في قول ورمي جمرة العقبة والبيتوتة بمنى ليالي التشريق في قول ورمي أيامها.
وأما سائر أعمال الحج فهي سنة.
وأما أركان العمرة فهي أربعة : الإحرام، والطواف، والسعي، وفي الحلق قولان، ثم المعتمر بعدما فرغ من السعي فإن كان معه هدي ذبحه ثم حلق أو قصر، ولا يتوقف التحلل على ذبح الهدي.
المسألة الثانية : قوله تعالى :﴿الْمُحْسِنِينَ * وَأَتِمُّوا ﴾ أمر بالإتمام/ وهل هذا الأمر مطلق أو مشروط بالدخول فيه، ذهب أصحابنا إلى أنه مطلق، والمعنى : افعلوا الحج والعمرة على نعت الكمال والتمام والقول الثاني : وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه : إن هذا الأمر مشروط، والمعنى أن من شرع فيه فليتمه قالوا : ومن الجائز أن لا يكون الدخول في الشيء واجباً إلا أن بعد الدخول فيه يكون إتمامه واجباً، وفائدة هذا الخلاف أن العمرة واجبة عند أصحابنا، وغير واجبة عن أبي حنيفة رحمه الله حجة أصحابنا من وجوه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٣


الصفحة التالية
Icon