المسألة الرابعة : في تفسير الإتمام في قوله :﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه ﴾ وفيه وجوه أحدها : روي عن علي وابن مسعود أن إتمامهما أن يحرم من دويرة أهله وثانيها : قال أبو مسلم : المعنى أن من نوى الحج والعمرة لله وجب عليه الإتمام، قال : ويدل على صحة هذا التأويل أن هذه الآية إنما نزلت بعد أن منع الكفار النبي صلى الله عليه وسلّم في السنة الماضية عن الحج والعمرة فالله تعالى أمر رسوله في هذه الآية أن لا يرجع حتى يتم هذا الفرض، ويحصل من هذا التأويل فائدة فقهية وهي أن تطوع الحج والعمرة كفرضيهما في وجوب الاتمام وثالثها : قال الأصم : إن الله تعالى فرض الحج والعمرة ثم أمر عباده أن يتموا الآداب المعتبرة، وذكر الشيخ الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتاب الاحياء ما يتعلق بهذا الباب فقال : الأمور المعتبرة قبل الخروج إلى الاحرام ثمانية الأول : في المال فينبغي أن يبدأ بالتوبة، ورد المظالم، وقضاء الديون، وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع، ويرد ما عنده من الودائع، ويستصحب من المال الطيب الحلال ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل على وجه يمكنه من التوسع في الزاد والرفق بالفقراء، ويتصدق بشيء قبل خروجه، ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل أو يكتريها، فإن اكتراها فليظهر للمكاري كل ما يحصل رضاه فيه الثاني : في الرفيق فينبغي أن يلتمس رفيقاً صالحاً محباً للخير، معينا عليه، إن نسي ذكره، وإن ذكر ساعده، وإن جبن شجعه، وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره، وأما الاخوان والرفقاء المقيمون فيودعهم، ويلتمس أدعيتهم، فإن الله تعالى جعل في دعائهم خيراً، والسنة في الوداع أن يقول : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك الثالث : في الخروج من الدار، فإذا هم بالخروج صلى ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٣
﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ﴾ (الكافرون : ١) وفي الثانية وبعد الفراغ يتضرع إلى الله بالاخلاص، الرابع : إذا حصل على باب الدار قال : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، وكلما كانت الدعوات أزيد كانت أولى الخامس : في الركوب، فإذا ركب الراحلة قال : بسم الله وبالله والله أكبر، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحان الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين/ وإنا إلى ربنا لمنقلبون السادس : في النزول، والسنة أن يكون أكثر سيره بالليل، ولا ينزل حتى يحمى النهار، وإذا نزل صلى ركعتين ودعا الله كثيراً السابع : إن قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار، فليقرأ آية الكرسي، وشهد الله، والاخلاص، والمعوذتين، ويقول : تحصنت بالله العظيم، واستعنت بالحي الذي لا يموت، / الثامنة : مهما علا شرفا من الأرض في الطريق، فيستحب أن يكبر ثلاثاً التاسع : أن لا يكون هذا السفر مشوبا بشيء من أثر الأغراض العاجلة كالتجارة وغيرها العاشرة : أن يصون الإنسان لسانه عن الرفث والفسوق والجدال، ثم بعد الاتيان بهذه المقدمات، يأتي بجميع أركان الحج على الوجه الأصح الأقرب إلى موافقة الكتاب والسنة، ويكون غرضه في كل هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله تعالى، فقوله :﴿الْمُحْسِنِينَ * وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ﴾ كلمة شاملة جامعة لهذه المعاني، فإذا أتى العبد بالحج على هذا الوجه كان متبعاً ملة إبراهيم حيث قال تعالى ﴿وَإِذِ ابْتَلَى ا إِبْرَاه مَ رَبُّه بِكَلِمَـاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ (البقرة : ١٢٤).
الوجه الرابع : في تفسير قوله تعالى :﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه ﴾ أن المراد : أفردوا كل واحد منهما بسفر وهذا تأويل من قال بالإفراد، وقد بيناه بالدليل، وهذا التأويل يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد يروى مرفوعاً عن أبي هريرة، وكان عمر يترك القران والتمتع، ويذكر أن ذلك أتم للحج والعمرة وأن يعتمر في غير شهور الحج، فإن الله تعالى يقول :﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـاتٌ ﴾ (البقرة : ١٩٧) وروى نافع عن ابن عمر أنه قال : فرقوا بين حجكم وعمرتكم.
المسألة الخامسة : قرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمر وأبو بكر عن عاصم ﴿الْحَجُّ﴾ بفتح الحاء في كل القرآن وهي لغة الحجاز، وقرأ حمزة والكسائي وحفص، عن عاصم بالكسر في آل عمران، قال الكسائي : وهما لغتان بمعنى واحد، كرطل ورطل، وقيل : بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٣
وقوله تعالى :﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ قال أحمد بن يحيى : أصل الحصر والإحصار : الحبس ومنه يقال للذي لا يبوح بسره : حصر. لأنه حبس نفسه عن البوح والحصر احتباس الغائط والحصير الملك لأنه كالمحبوس بين الحجاب وفي شعر لبيد :
جن لدي باب الحصير قيام
والحصير معروف سمي به لانضمام بعض أجزائه إلى بعض تشبيهاً باحتباس الشيء مع غيره.


الصفحة التالية
Icon