جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٧
فإن قيل : قوله :﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ يوجب في حق كل من لحقه شدة أن يعلم أن سيظفر بزوالها، وذلك غير ثابت.
قلنا : لا يمتنع أن يكون هذا من خواص الأنبياء عليهم السلام، ويمكن أن يكون ذلك عاماً في حق الكل، إذ كل من كان في بلاء فإنه لا بد له من أحد أمرين، إما أن يتخلص عنه، وإما أن يموت وإذا مات فقد وصل إلى من لا يهمل أمره ولا يضيع حقه، وذلك من أعظم النصر، وإنما جعله قريباً لأن الموت قريب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٧
٣٨١
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما بالغ في بيان أنه يجب على كل مكلف أن يكون معرضاً عن طرب العاجل، وأن يكون مشتغلاً بطلب الآجل، وأن يكون بحيث يبذل النفس والمال في ذلك شرع بعد ذلك في بيان الأحكام وهو من هذه الآية إلى قوله :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَـارِهِمْ﴾ (البقرة : ٢٤٣) لأن من عادة القرآن أن يكون بيان التوحيد وبيان الوعظ والنصيحة وبيان الأحكام مختلطاً بعضها بالبعض، ليكون كل واحد منها مفوياً للآخر ومؤكداً له.
الحكم الأول
فيما يتعلق بالنفقة هو هذه الآية وفيه مسائل
المسألة الأولى : قال عطاء : عن ابن عباس نزلت هذه الآية في رجل أتى للنبي عليه الصلاة والسلام فقال إن لي ديناراً فقال : أنفقه على نفسك قال : إن لي دينارين قال : أنفقهما على أهلك قال : إن لي ثلاثة قال : أنفقها على خادمك قال : إن لي أربعة قال : أنفقها على والديك قال : إن لي خمسه قال : أنفقها على قرابتك قال إن لي ستة قال : أنفقها في سبيل الله وهو أحسنها : وروى الكلبي / عن ابن عباس أن الآية نزلت عن عمرو بن الجموح وكان شيخاً كبيراً هرماً، وهو الذي قتل يوم أحد وعنده مال عظيم، فقال : ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية : للنحويين في ﴿مَاذَآ﴾ قولان أحدهما : أن يجعل ﴿مَّآ﴾ مع ﴿ذَا﴾ بمنزلة اسم واحد ويكون الموضع نصباً بينفقون، والدليل عليه أن العرب يقولون : عماذا تسأل ؟
بإثبات الألف في ﴿مَّآ﴾ فلولا أن ﴿مَّآ﴾ مع ﴿ذَا﴾ بمنزلة اسم واحد لقالوا : عماذا تسأل ؟
بحذف الألف كما حذفوها من قوله تعالى :﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ (النبأ : ١) وقوله :﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاـاهَآ﴾ (النازعات : ٤٣) فلما لم يحذفوا الألف من آخر ﴿مَّآ﴾ علمت أنه مع ﴿ذَا﴾ بمنزلة اسم واحد ولم يحذفوا الألف منه لما لم يكن آخر الاسم والحذف يلحقها إذا كان آخراً إلا أن يكون في شعر كقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨١
غلاماً قام يشتمني لئيم
كخنزير تمرغ في رماد
والقول الثاني : أن يجعل ﴿ذَا﴾ بمعنى الذي ويكون ﴿مَّآ﴾ رفعاً بالابتداء خبرها ﴿ذَا﴾ والعرب قد يستعملون ﴿ذَا﴾ بمعنى الذي، فيقولون : من ذا يقول ذاك ؟
أي من ذا الذي يقول ذاك، فعلى هذ يكون تقدير الآية : يسألونك ما الذي ينفقون.
المسألة الثالثة : في الآية سؤال، وهو أن القوم سألوا عما ينفقون لا عمن تصرف النفقة إليهم، فكيف أجابهم بهذا ؟


الصفحة التالية
Icon