الحجة الثالثة : لهم : حكى محمد بن جرير الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس تحريم أصناف النساء إلا المؤمنات، واحتج بقوله تعالى :﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالايمَـانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه ﴾ (المائدة : ٥) وإذا كان كذلك كانت كالمرتدة في أنه لا يجوز إيراد العقد عليها.
الحجة الرابعة : التمسك بأثر عمر : حكى أن طلحة نكح يهودية، وحذيفة نصرانية، فغضب عمر رضي الله عنه عليهما غضباً شديداً، فقالا : نحن نطلق يا أمير المؤمنين فلا تغضب/ فقال : إن حل طلاقهن فقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم.
أجاب الأولون عن الحجة الأولى بأن من قال : اليهودي والنصراني لا يدخل تحت اسم المشرك فالإشكال عنه ساقط، ومن سلم ذلك قال : إن قوله تعالى :﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ (المائدة : ٥) أخص من هذه الآية، فإن صحت الرواية أن هذه الحرمة ثبتت ثم زالت جعلنا قوله :﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ﴾ ناسخاً، وإن لم تثبت جعلناه مخصصاً، أقصى ما في الباب أن النسخ والتخصيص خلاف الأصل، إلا أنه لما كان لا سبيل إلا التوفيق بين الآيتين إلا بهذا الطريق وجب المصير إليه، أما قوله ثانياً أن تحريم نكاح الوثنية إنما كان لأنها تدعو إلى النار، وهذا المعنى قائم في الكتابية، قلنا : الفرق بينهما أن المشركة متظاهرة بالمخالفة والمناصبة، فلعل الزوج يحبها، ثم أنها تحمله على المقاتلة مع المسلمين، وهذا المعنى غير موجود في الذمية، لأنها مقهورة راضية بالذلة والمسكنة، فلا يفضي حصول ذلك النكاح إلى المقاتلة، أما قوله ثالثاً إن آية التحريم والتحليل قد تعارضتا، فنقول : لكن آية التحليل خاصة ومتأخرة بالإجماع، فوجب أن تكون متقدمة على آية التحريم وهذا بخلاف الآيتين في الجمع بين الأختين في ملك اليمين، لأن كل واحدة من تينك الآيتين أخص من الأخرى من وجه وأعم من وجه آخر، فلم يحصل سبب الترجيح فيه.
أما قوله ههنا :﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ (المائدة : ٥) أخص من قوله :﴿وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَـاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ مطلقاً، فوجب حصول الترجيح.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٧
وأما التمسك بقوله تعالى :﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه ﴾ (المائدة : ٥).
فجوابه : أنا لما فرقنا بين الكتابية وبين المرتدة في أحكام كثيرة، فلم لا يجوز الفرق بينهما أيضاً في هذا الحكم ؟
وأما التمسك بأثر عمر فقد نقلنا عنه أنه قال : ليس بحرام، وإذا حصل التعارض سقط الاستدلال والله أعلم.
المسألة الخامسة : اتفق الكل على أن المراد من قوله :﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ الإقرار بالشهادة والتزام / أحكام الإسلام، وعند هذا احتجت الكرامية بهذه الآية على أن الإيمان عبارة عن مجرد الإقرار وقالوا إن الله تعالى جعل الإيمان ههنا غاية التحريم والذي هو غاية التحريم ههنا الإقرار، فثبت أن الإيمان في عرف الشرع عبارة عن الإقرار، واحتج أصحابنا على فساد هذا المذهب بوجوه : أحدها : أنا بينا بالدلائل الكثيرة في تفسير قوله :﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ (البقرة : ٣) أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب وثانيها : قوله تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الاخِرِ وَمَا هُم﴾ (البقرة : ١١) ولو كان الإيمان عبارة عن مجرد الإفراد لكان قوله تعالى :﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ كذباً وثالثها : قوله :﴿قَالَتِ الاعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ﴾ (الحجرات : ١٤) ولو كان الإيمان عبارة عن مجرد الإقرار لكان قوله :﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ﴾ كذباً، ثم أجابوا عن تمسكهم بهذه الآية بأن التصديق الذي في القلب لا يمكن الإطلاع عليه فأقيم الإقرار باللسان مقام التصديق بالقلب.
المسألة السادسة : نقل عن الحسن أنه قال : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من تزويج المشركات قال القاضي : كونهم قبل نزول هذه الآية مقدمين على نكاح المشركات إن كان على سبيل العادة لا من قبل الشرع امتنع وصف هذه الآية بأنها ناسخة، لأنه ثبت في أصول الفقه أن الناسخ والمنسوخ يجب أن يكون حكمين شرعيين، أما إن كان جواز نكاح المشركة قبل نزول هذه الآية ثابتاً من قبل الشرع كانت هذه الآية ناسخة.
أما قوله تعالى :﴿وَلامَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال أبو مسلم : اللام في قوله :﴿وَلامَةٌ﴾ في إفادة التوكيد تشبه لام القسم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٧


الصفحة التالية
Icon