والقول الثالث : أنه تعالى لما أمرنا بالتطهر في قوله :﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ فلا جرم مدح المتطهر فقال :﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ والمراد منه التطهر بالماء، وقد قال تعالى :﴿رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة : ١٠٨) فقيل في التفسير : أنهم كانوا يستنجون بالماء فأثنى الله عليهم.
الحكم الثامن
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٤
٤٢١
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في سبب النزول وجوهاً أحدها : روي أن اليهود قالوا : من جامع امرأته في قبلها من دبرها كان ولدها أحول مخبلاً، وزعموا أن ذلك في التوراة، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : كذبت اليهود ونزلت هذه الآية وثانيها : روي عن ابن عباس أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله هلكت، وحكى وقوع ذلك منه، فأنزل الله تعالى هذه الآية وثالثها : كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرجل المرأة من دبرها في قبلها، وكانوا أخذوا ذلك من اليهود، وكانت قريش تفعل ذلك فأنكرت الأنصار ذلك عليهم، فنزلت الآية.
المسألة الثانية :﴿حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ أي مزرع ومنبت للولد، وهذا على سبيل التشبيه، ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات الخارج، والحرث مصدر، ولهذا وحد الحرث فكان المعنى نساؤكم ذوات حرث لكم فيهن تحرثون للولد، فحذف المضاف، وأيضاً قد يسمى موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة كقوله :
فإنما هي إقبالي وإدبار
ويقال : هذا أمر الله، أي مأموره، وهذا شهوة فلان، أي مشتهاه، فكذلك حرث الرجل محرثة.
المسألة الثالثة : ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها، فقوله :﴿أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ محمول على ذلك، ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن، وسائر الناس كذبوا نافعاً في هذه الرواية، وهذا قول مالك، واختيار السيد المرتضى من الشيعة، والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، وحجة من قال : إنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن من وجوه :
الحجة الأولى : أن الله تعالى قال في آية المحيض :﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ (البقرة : ٢٢٢) جعل قيام الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى، ولا معنى للأذى إلا ما يتأذى الإنسان منه وههنا يتأذى الإنسان بنتن روائح ذلك الدم وحصول هذه العلة في محل النزاع أظهر فإذا كانت تلك العلة قائمة ههنا وجب حصول الحرمة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢١
الحجة الثانية : قوله تعالى :﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه ﴾ (البقرة : ٢٢٢) وظاهر الأمر للوجوب، ولا يمكن أن يقال : إنه يفيد وجوب إتيانهن لأن ذلك غير واجب، فوجب حمله على أن المراد منه أن من أتى المرأة وجب أن يأتيها في ذلك الموضع الذي أمر الله تعالى به ثم هذا غير محمول على الدبر، لأن ذلك بالإجماع غير واجب فتعين أن يكون محمولاً على القبل، وذلك هو المطلوب.
الحجة الثالثة : روى خزيمة بن ثابت أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : حلال، فلما ولى الرجل دعاه فقال : كيف قلت في أي الخربتين، أو في أي الخرزتين، أو في أي الخصفتين، أو من قبلها في قبلها فنعم، أمن دبرها في قبلها فنعم، أمن دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق :"لا تؤتوا النساء في أدبارهن" وأراد بخربتها مسلكها، وأصل الخربة عروة المزادة شبه الثقب بها، والخرزة هي التي يثقبها الخراز، كنى به عن المأتي، وكذلك الخصفة من قولهم : خصفت الجلد إذا خرزته، حجة من قال بالجواز وجوه :
الحجة الأولى : التمسك بهذه الآية من وجهين الأول : أنه تعالى جعل الحرث اسماً للمرأة فقال :﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ فهذا يدل على أن الحرث اسم للمرأة لا للموضع المعين، فلما قال بعده :﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ كان المراد فأتوا نساءكم أنى شئتم فيكون هذا إطلاقاً في إتيانهن على جميع الوجوه، فيدخل فيه محل النزاع.
الوجه الثاني : أن كلمة ﴿إِنِّى﴾ معناها أين، قال الله تعالى :﴿أَنَّى لَكِ هَـاذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّه ﴾ (الأعراف : ٣٧خ والتقدير : من أين لك هذا فصار تقدير الآية : فأتوا حرثكم أين شئتم وكلمة : أين شئتم، تدل على تعدد الأمكنة : اجلس أين شئت ويكون هذا تخييراً بين الأمكنة.