جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٨
الحجة الرابعة : أن قوله تعالى :﴿وَإِنْ عَزَمُوا ﴾ ظاهره التخيير بين الأمرين، وذلك يقتضي أن يكون وقت ثبوتهما واحداً، وعلى قول أبي حنيفة ليس الأمر كذلك.
الحجة الخامسة : أن الإيلاء في نفسه ليس بطلاق، بل هو حلف على الامتناع من الجماع / مدة مخصوصة إلا أن الشرع ضرب مقداراً معلوماً من الزمان، وذلك لأن الرجل قد يترك جماع المرأة مدة من الزمان لا بسبب المضارة، وهذا إنما يكون إذا كان الزمان قصيراً، فأما ترك الجماع زماناً طويلاً فلا يكون إلا عند قصد المضارة، ولما كان الطول والقصر في هذا الباب أمراً غير مضبوط، بين تعالى حداً فاصلاً بين القصير والطويل، فعند حصول هذه تبين قصد المضارة، وذلك لا يوجب ألبتة وقوع الطلاق، بل اللائق بحكمة الشرع عند ظهور قصد المضارة أنه يؤمر إما بترك المضارة أو بتخليصها من قيد الإيلاء، وهذا المعنى معتبر في الشرع كما قلنا في ضرب الأجل في مدة العنين وغيره حجة أبي حنيفة رضي الله عنه أن عبد الله بن مسعود قرأ، فإن فاؤا فيهن.
والجواب الصحيح : أن القراءة الشاذة مردودة لأن كل ما كان قرآناً وجب أن يثبت بالتواتر فحيث لم يثبت بالتواتر قطعنا أنه ليس بقرآن وأولى الناس بهذا أبو حنيفة، فإنه بهذا الحرف تمسك في أن التسمية ليست من القرآن، وأيضاً فقد بينا أن الآية مشتملة على أمور ثلاثة دلت على أن هذه الفيئة لا تكون في المدة، فالقراءة الشاذة لما كانت مخالفة لها وجب القطع بفسادها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٨
٤٣٣
قوله تعالى :﴿وَالْمُطَلَّقَـاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَـاثَةَ قُرُواءٍا وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾.
اعلم أنه تعالى ذكر في هذا الموضع أحكاماً كثيرة للطلاق :
فالحكم الأول للطلاق وجوب العدة : اعلم أن المطلقة هي المرأة التي أوقع الطلاق عليها، وهي إما أن تكون أجنبية أو منكوحة، فإن كانت أجنبية فإذا أوقع الطلاق عليها فهي مطلقة بحسب اللغة، لكنها غير مطلقة بحسب عرف الشرع، والعدة غير واجبة عليها بالإجماع، وأما المنكوحة فهي إما أن تكون مدخولاً بها أو لا تكون، فإن لم تكن مدخولاً بها لم تجب العدة عليها، قال الله تعالى :﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ (الأحزاب : ٤٩) وأما إن كانت مدخولاً بها فهي إما أن تكون حائلاً أو حاملاً، فإن كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل لا بالإقراء قال الله تعالى :﴿وَأُوْلَـاتُ الاحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ (الطلاق : ٤) وأما إن كانت حائلاً فأما أن يكون / الحيض ممكناً في حقها أو لا يكون فإن امتنع الحيض في حقها إما للصغر المفرط، أو للكبر المفرط كانت عدتها بالأشهر لا بالإقراء، قال الله تعالى :﴿وَالَّـا ـاِى يَـاـاِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ وأما إذا كان الحيض في حقها ممكناً فإما أن تكون رقيقة، وإما أن تكون حرة، فإن كانت رقيقة كانت عدتها بقرأين لا بثلاثة، أما إذا كانت المرأة منكوحة، وكانت مطلقة بعد الدخول، وكانت حائلاً، وكانت من ذوات الحيض وكانت حرة، فعند اجتماع هذه الصفات كانت عدتها بالإقراء الثلاثة على ما بين الله حكمها في هذه الآية، وفي الآية سؤالات :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٣
السؤال الأول : العام إنما يحسن تخصيصه إذا كان الباقي بعد التخصيص أكثر من حيث أنه جرت العادة بإطلاق لفظ الكل على الغالب، يقال في الثوب : إنه أسود إذا كان الغالب عليه السواد، أو حصل فيه بياض قليل، فأما إذا كان الغالب عليه البياض، وكان السواد قليلاً، كان انطلاق لفظ الأسود عليه كذباً، فثبت أن الشرط في كون العام مخصوصاً أن يكون الباقي بعد التخصيص أكثر، وهذه الآية ليست كذلك فإنكم أخرجتم من عمومها خمسة أقسام وتركتم قسماً واحداً، فإطلاق لفظ العام في مثل هذا الموضع لا يليق بحكمة الله تعالى.
والجواب : أما الأجنبية فخارجة عن اللفظ فإن الأجنبية لا يقال فيها : إنها مطلقة، وأما غير المدخول بها فالقرينة تخرجها لأن المقصود من العدة براءة الرحم، والحاجة إلى البراءة لا تحصل إلا عند سبق الشغل، وأما الحامل والآيسة فهما خارجتان عن اللفظ لأن إيجاب الاعتداد بالإقراء إنما يكون حيث تحصل الإقراء، وهذان القسمان لم تحصل الإقراء في حقهما، وأما الرقيقة فتزويجها كالنادر فثبت أن الأعم الأغلب باق تحت هذا العموم.
السؤال الثاني : قوله :﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ لا شك أنه خبر، والمراد منه الأمر فما الفائدة في التعبير عن الأمر بلفظ الخبر.


الصفحة التالية
Icon