اعلم أن هذا هو الحكم الثاني للطلاق وهو الرجعية، وفي البعولة قولان أحدهما : أنه جمع بعل، كالفحولة والذكورة والجدودة والعمومة، وهذه الهاء زائدة مؤكدة لتأنيث الجماعة ولا يجوز إدخالها في كل جمع بل فيما رواه أهل اللغة عن العرب، فلا يقال في كعب : كعوبه، ولا في كلب : كلابة، واعلم أن اسم البعل مما يشترك فيه الزوجان فيقال للمرأة بعلة، كما يقال لها زوجة في كثير من اللغات، وزوج في أفصح اللغات فهما بعلان، كما أنهما زوجان، وأصل البعل السيد المالك فيما قيل، يقال : من بعل هذه الناقة ؟
كما يقال : من ربها، وبعل اسم صنم كانوا يتخدونه رباً، وقد كان النساء يدعون أزواجهن بالسودد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٣
القول الثاني : أن العبولة مصدر، يقال : بعل الرجل يبعل بعولة، إذا صار بعلاً، وباعل الرجل امرأته إذا جامعها، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال في أيام التشريق :"أنها أيام أكل وشرب وبعال" وامرأته حسنة البعل إذا كانت تحسن عشرة زوجها، ومنه الحديث "إذا أحسنتن ببعل أزواجكن" وعلى هذا الوجه كان معنى الآية : وأهل بعولتهن.
وأما قوله :﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَالِكَ﴾ فالمعنى : أحق برجعتهن في مدة ذلك التربص وههنا سؤالات :
السؤال الأول : ما فائدة قوله :﴿أَحَقُّ﴾ مع أنه لا حق لغير الزوج في ذلك.
الجواب من وجهين الأول : أنه تعالى قال قبل هذه الآية :﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ﴾ كان تقدير الكلام : فإنهن إن كتمن لأجل أن يتزوج بهن زوج آخر، فإذا فعلن ذلك كان الزوج الأول أحق بردهن، وذلك لأنه ثبت للزوج الثاني حق في الظاهر، فبين أن الزوج الأول أحق منه، وكذا إذا ادعت انقضاء أقرائها ثم علم خلافه فالزوج الأول أحق من الزوج الآخر في العدة الثاني : إذا كانت معتدة فلها في مضي العدة حق انقطاع النكاح فلما كان لهن هذا الحق الذي يتضمن إبطال حق الزوج جاز أن يقول :﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ﴾ من حيث إن لهم أن يبطلوا بسبب الرجعة ما هن عليه من العدة.
السؤال الثاني : ما معنى الرد ؟
الجواب : يقال : رددته أي رجعته قال تعالى في موضع ﴿وَلَـاـاِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّى﴾ (الكهف : ٣٦) وفي موضع آخر :﴿وَلَـاـاِن رُّجِعْتُ﴾.
السؤال الثالث : ما معنى الرد في المطلقة الرجعية ؟
وهي ما دامت في العدة فهي زوجته كما كانت.
الجواب : أن الرد والرجعة يتضمن إبطال التربص والتحري في العدة فهي ما دامت في العدة كأنه كانت جارية في إبطال حق الزوج وبالرجعة يبطل ذلك، فلا جرم سميت الرجعة رداً، لا سيما ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يحرم الاستمتاع بها إلا بعد الرجعة، ففي الرد على مذهبه شيئان / أحدهما : ردها من التربص إلى خلافه الثاني : ردها من الحرمة إلى الحل.
السؤال الرابع : ما الفائدة في قوله تعالى :﴿فِي ذَالِكَ﴾.
الجواب : أن حق الرد إنما يثبت في الوقت الذي هو وقت التربص، فإذا انقضى ذلك الوقت فقد بطل حق الردة والرجعة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٣
أما قوله تعالى :﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَـاحًا ﴾ فالمعنى أن الزوج أحق بهذه المراجعة إن أرادوا الإصلاح وما أرادوا المضارة، ونظيره قوله :﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍا وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ا وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ فَقَدْ ظَلَمَ﴾ (البقرة : ٢٣١) والسبب في هذه الآية أن في الجاهلية كانوا يرجعون المطلقات، ويريدون بذلك الإضرار بهن ليطلقوهن بعد الرجعة، حتى تحتاج المرأة إلى أن تعتد عدة حادثة، فنهوا عن ذلك، وجعل الشرط في حل المراجعة إرادة الإصلاح، وهو قوله :﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَـاحًا ﴾.
فإن قيل : إن كلمة ﴿ءَانٍ﴾ للشرط، والشرط يقتضي انتفاء الحكم عند انتفائه، فيلزم إذا لم توجد أرادة الإصلاح أن لا يثبت حق الرجعة.
والجواب : أن الإرادة صفة باطنة لا اطلاع لنا عليها، فالشرع لم يوقف صحة المراجعة عليها، بل جوازها فيما بينه وبين الله موقوف على هذه الإرادة، حتى إنه لو راجعها لقصد المضارة استحق الإثم.
أما قوله تعالى :﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ﴾ فاعلم أنه تعالى لما بين أنه يجب أن يكون المقصود من المراجعة إصلاح حالها، لا إيصال الضرر إليها بين أن لكل واحد من الزوجين حقاً على الآخر.