المسألة الرابعة : مذهب الشافعي رضي الله عنه : إذا تزوج بالمطلقة ثلاثاً للغير على أنه إذا أحلها للأول بأن أصابها فلا نكاح بينهما، فهذا نكاح متعة بأجل مجهول، وهو باطل ولو تزوجها بشرط أن لا يطلقها إذا أحلها للأول ففيه قولان أحدهما : لا يصح والثاني : يصح ويبطل الشرط وبه قال أبو حنيفة، ولو تزوجها مطلقاً معتقداً بأنه إذا أحلها طلقها فالنكاح صحيح ويكره ذلك ويأثم به/ وقال مالك والثوري وأحمد : هذا النكاح باطل دليلنا أن الآية تدل على أن الحرمة تنتهي بوطء مسبوق بعقد، وقد وجدت فوجب القول بانتهاء الحرمة وحيث حكمنا بفساد النكاح، فوطئها هل يقع به التحليل قولان والأصح أنه لا يقع به التحليل.
أما قوله تعالى :﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ فالمعنى : إن طلقها الزوج الثاني الذي تزوجها بعد الطلقة الثالثة لأنه تعالى قد ذكره بقوله :﴿حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَه ا فَإِن طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ﴾ أي على المرأة المطلقة والزوج الأول أن يتراجعا بنكاح جديد، فذكر لفظ النكاح بلفظ التراجع، لأن الزوجية كانت حاصلة بينهما قبل ذلك، فإذا تناكحا فقد تراجعا إلى ما كانا عليه من النكاح، فهذا تراجع لغوي، بقي في الآية مسألتان :
المسألة الأولى : ظاهر الآية يقتضي أن عندما يطلقها الزوج الثاني تحل المراجعة للزوج الأول، إلا أنه مخصوص بقوله تعالى :﴿وَالْمُطَلَّقَـاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَـاثَةَ قُرُواءٍ ﴾ (البقرة : ٢٢٨) لأن المقصود من العدة استبراء الرحم، وهذا المعنى حاصل ههنا، وهذا هو الذي عول عليه سعيد بن المسيب في أن التحليل يحصل بمجرد العقد، لأن الوطء لو كان معتبراً لكانت العدة واجبة، وهذه الآية تدل على سقوط العدة، لأن الفاء في قوله :﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ﴾ تدل على أن حل المراجعة حاصل عقيب طلاق الزوج الثاني إلا أن الجواب ما قدمنا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٨
المسألة الثانية : قال الخليل والكسائي : موضع ﴿أَن يَتَرَاجَعَآ﴾ خفض بإضمار الخافض، تقديره : في أن يتراجعا، وقال الفراء : موضعه نصب بنزع الخافض.
أما قوله تعالى :﴿إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال كثير من المفسرين ﴿إِن ظَنَّآ﴾ أي إن علما وأيقنا أنهما يقيمان حدود الله، وهذا القول ضعيف من وجوه أحدها : أنك لا تقول : علمت أن يقوم زيد ولكن علمت أنه يقوم زيد والثاني : أن الإنسان لا يعلم ما في القدر وإنما يظنه والثالث : أنه بمنزلة قوله تعالى :﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَالِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَـاحًا ﴾ (البقرة : ٢٢٨) فإن المعتبر هناك الظن فكذا ههنا، وإذا بطل هذا القول فالمراد منه نفس الظن، أي متى حصل هذا الظن، وحصل لهما العزم على إقامة حدود الله، حسنت هذه المراجعة ومتى لم يحصل هذا الظن وخافا عند المراجعة من نشوز منها أو إضرار منه فالمراجعة تحرم.
المسألة الثانية : كلمة ﴿ءَانٍ﴾ في اللغة للشرط والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط فظاهر الآية يقتضي أنه متى لم يحصل هذا الظن لم يحصل جواز المراجعة، لكنه ليس الأمر كذلك، فإن جواز المراجعة ثابت سواء حصل هذا الظن أو لم يحصل إلا أنا نقول : ليس المراد أن هذا شرط لصحة المراجعة : بل المراد منه أنه يلزمهم عند المراجعة بالنكاح الجديد رعاية حقوق الله تعالى، وقصد الإقامة لحدود الله وأوامره، ثم قال بعد ذلك :﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى :﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ إشارة إلى ما بينها من التكاليف، وقوله :﴿يُبَيِّنُهَا﴾ إشارة إلى الاستقبال والجمع بينهما متناقض وعندي أن هذه النصوص التي تقدمت أكثرها عامة يتطرق إليها تخصيصات كثيرة، وأكثر تلك المخصصات إنما عرفت بالسنة، فكان المراد والله أعلم أن هذه الأحكام التي تقدمت هي حدود الله وسيبينها الله تعالى كمال البيان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلّم، وهو كقوله تعالى :﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (النحل : ٤٤).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٨
المسألة الثانية : قرأ عاصم في رواية أبان بالنون وهي نون التعظيم والباقون بالياء على أنه يرجع على اسم الله تعالى.