أما قوله تعالى :﴿وَلا تَتَّخِذُوا ءَايَـاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ ففيه وجوه الأول : أن من نسي فلم يفعله بعد أن نصب نفسه منصب من يطيع ذلك الأمر، يقال فيه أنه استهزأ بهذا الأمر ويلعب به، فعلى هذا كل من أمر بأنه تجب عليه طاعة الله وطاعة رسوله، ثم وصلت إليه هذه التكاليف التي تقدم ذكرها في العدة والرجعة والخلع وترك المضارة فلا يتشمر لأدائها/ كان كالمستهزىء بها، وهذا تهديد عظيم للعصاة من أهل الصلاة وثانيها : المراد : ولا تتسامحوا في تكاليف الله كما يتسامح فيما يكون من باب الهزل والعبث والثالث : قال أبو الدرداء : كان الرجل يطلق في الجاهلية، ويقول : طلقت وأنا لاعب، ويعتق وينكح، ويقول مثل ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال :"من طلق، أو حرر، أو نكح، فزعم أنه لاعب فهو جد" والرابع : قال عطاء : المعنى أن المستغفر من الذنب إذا كان مصراً عليه أو على مثله، كان كالمستهزىء بآيات الله تعالى، والأقرب هو الوجه الأول، لأن قوله :﴿وَلا تَتَّخِذُوا ءَايَـاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ تهديد، والتهديد إذا ذكر بعد ذكر التكاليف كان ذلك التهديد تهديداً على تركها، لا على شيء آخر غيرها، واعلم أنه / تعالى لما رغبهم في أداء التكاليف بما ذكر من التهديد، رغبهم أيضاً في أدائها بأن ذكرهم أنواع نعمه عليهم، فبدأ أولاً بذكرها على سبيل الإجمال فقال :﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ﴾ وهذا يتناول كل نعم الله على العبد في الدنيا وفي الدين، ثم إنه تعالى ذكر بعد هذا نعم الدين، وإنما خصها بالذكر لأنها أجل من نعم الدنيا، فقال :﴿وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَـابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِه ﴾ والمعنى أنه إنما أنزل الكتاب والحكمة ليعظكم به، ثم قال :﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي في أوامره كلها، ولا تخالفوه في نواهيه ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥١
٤٥٤
اعلم أن هذا هو الحكم السادس من أحكام الطلاق، وهو حكم المرأة المطلقة بعد انقضاء العدة وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في سبب نزول الآية وجهان الأول : روى أن معقل بن يسار زوج أخته جميل بن عبد الله بن عاصم، فطلقها ثم تركها حتى انقضت عدتها، ثم ندم فجاء يخطبها لنفسه ورضيت المرأة بذلك، فقال لها معقل : إنه طلقك ثم تريدين مراجعته وجهي من وجهك حرام إن راجعتيه فأنزل الله تعالى هذه الآية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم معقل بن يسار وتلا عليه هذه الآية فقال معقل : رغم أني لأمر ربي، اللهم رضيت وسلمت لأمرك، وأنكح أخته زوجها والثاني : روي عن مجاهد والسدي أن جابر بن عبد الله كانت له بنت عم فطلقها زوجها وأراد رجعتها بعد العدة فأبى جابر، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وكان جابر يقول في نزلت هذه الآية.
المسألة الثانية : العضل المنع، يقال : عضل فلان ابنته، إذا منعها من التزوج، فهو يعضلها ويعضلها، بضم الضاد وبكسرها وأنشد الأخفش :
وإن قصائدي لك فاصطنعني
كرائم قد عضلن عن النكاح
وأصل العضل في اللغة الضيق، يقال : عضلت المرأة إذا نشب الولد في بطنها، وكذلك عضلت / الشاة، وعضلت الأرض بالجيش إذا ضاقت لهم لكثرتهم، قال أوس بن حجر :
ترى الأرض منا بالفضاء مريضة
معضلة منا بجيش عرمرم
وأعضل المريض الأطباء أي أعياهم، وسميت العضلة عضلة لأن القوى المحركة منشؤها منها، ويقال : داء عضال، للأمر إذا اشتد، ومنه قول أوس :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٤
وليس أخوك الدائم العهد بالذي
يذمك إن ولى ويرضيك مقبلاً
ولكنه النائي إذا كنت آمنا
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا


الصفحة التالية
Icon