وجوابه : أن المؤمنين لما كانوا هم العاملين بذلك خصهم بالذكر كقوله :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاـاهَا﴾ (النازعات : ٤٥) مع أنه كان منذراً للكل، لقوله تعالى :﴿لِيَكُونَ لِلْعَـالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (الفرقان : ١).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٥
وأما قوله تعالى :﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ فالمعنى إذا انقضت هذه المدة التي هي أجل العدة فلا جناح / عليكم قيل الخطاب مع الأولياء لأنهم الذين يتولون العقد، وقيل : الخطاب مع الحكام وصلحاء المسلمين، وذلك لأنهن إن تزوجن في مدة العدة وجب على كل واحد منعهن عن ذلك إن قدر على المنع، فإن عجز وجب عليه أن يستعين بالسلطان، وذلك لأن المقصود من هذه العدة أنه لا يؤمن اشتمال فرجها على ماء زوجها الأول، وفي الآية وجه ثالث وهو أنه ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ تقديره : لا جناح على النساء وعليكم، ثم قال :﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ أي ما يحسن عقلاً وشرعاً لأنه ضد المنكر الذي لا يحسن، وذلك هو الحلال من التزوج إذا كان مستجمعاً لشرائط الصحة، ثم ختم الآية بالتهديد، فقال :﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. بقي في الآية مسائل :
المسألة الأولى : تمسك بعضهم في وجوب الإحداد على المرأة بقوله تعالى :﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ﴾ فإن ظاهره يقتضي أن يكون المراد منه ما تنفرد المرأة بفعله/ والنكاح ليس كذلك، فإنه لا يتم إلا مع الغير فوجب أن يحمل ذلك على ما يتم بالمرأة وحدها من التزين والتطيب وغيرهما.
المسألة الثانية : تمسك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في جواز النكاح بغير ولي، قالوا : إنها إذا زوجت نفسها وجب أن يكون ذلك جائزاً لقوله تعالى :﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ﴾ وإضافة الفعل إلى الفاعل محمول على المباشرة، لأن هذا هو الحقيقة في اللفظة، وتمسك أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه في أن هذا النكاح لا يصح إلا من الولي لأن قوله :﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ خطاب مع الأولياء ولولا أن هذا العقد لا يصح إلا من الولي وإلا لما صار مخاطباً بقوله :﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ وبالله التوفيق.
الحكم الرابع عشر
في خطبة النساء
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٥
٤٦٩
قوله تعالى :﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِه مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِى أَنفُسِكُم عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـاكِن لا﴾ وفي مسائل :
المسألة الأولى : التعريض في اللغة ضد التصريح، ومعناه أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على مقصوده ويصلح للدلالة / على غير مقصوده إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح وأصله من عرض الشيء وهو جانبه كأنه يحوم حوله ولا يظهره، ونظيره أن يقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا :
وحسبك بالتسليم مني تقاضياً
والتعريض قد يسمى تلويحاً لأنه يلوح منه ما يريد والفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن تذكر الشيء بذكر لوازمه، كقولك : فلان طويل النجاد، كثير الرماد، والتعريض أن تذكر كلاماً يحتمل مقصودك ويحتمل غير مقصودك إلا أن قرائن أحوالك تؤكد حمله على مقصودك، وأما الخطبة فقال الفراء : الخطبة مصدر بمنزلة الخطب وهو مثل قولك : أنه الحسن العقدة والجلسة تريد العقود والجلوس وفي اشتقاقه وجهان الأول : أن الخطب هو الأمر، والشأن يقال : ما خطبك، أي ما شأنك، فقولهم : خطب فلان فلانة، أي سألها أمراً وشأناً في نفسها الثاني : أصل الخطبة من الخطاب الذي هو الكلام، يقال : خطب المرأة خطبة لأنه خاطب في عقد النكاح، وخطب خطبة أي خاطب بالزجر والوعظ والخطب : الأمر العظيم، لأنه يحتاج فيه إلى خطاب كثير.
المسألة الثانية : النساء في حكم الخطبة على ثلاثة أقسام أحدها : التي تجوز خطبتها تعريضاً وتصريحاً وهي التي تكون خالية عن الأزواج والعدد لأنه لما جاز نكاحها في هذه الحالة فكيف لا تجوز خطبتها، بل يستثنى عنه صورة واحدة، وهي ما روى الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه" ثم هذا الحديث وإن ورد مطلقاً لكن فيه ثلاثة أحوال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٩
الحالة الأولى : إذا خطب امرأته فأجيب إليه صريحاً ههنا لا يحل لغيره أن يخطبها لهذا الحديث.
الحالة الثانية : إذا وجد صريح الإباء عن الإجابة فههنا يحل لغيره أن يخطبها.
الحالة الثالثة : إذا لم يوجد صريح الإجابة ولا صريح الرد للشافعي ههنا قولان أحدهما : أنه يجوز للغير خطبتها، لأن السكوت لا يدل على الرضا والثاني : وهو القديم وقول مالك : أن السكوت وإن لم يدل على الرضا لكنه لا يدل أيضاً على الكراهة، فربما كانت الرغبة حاصله من بعض الوجوه فتصير هذه الخطبة الثانية مزيلة لذلك القدر من الرغبة.