المسألة الأولى : أجمع المسلمون على أن الصلاة المفروضة خمسة، وهذه الآية التي نحن في تفسيرها دالة على ذلك، لأن قوله :﴿حَـافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ يدل على الثلاثة من حيث أن أقل الجمع ثلاثة، ثم إن قوله تعالى :﴿حَـافِظُوا عَلَى﴾ يدل على شيء أزيد من الثلاثة، وإلا لزم التكرار، / والأصل عدمه، ثم ذلك الزائد يمتنع أن يكون أربعة، وإلا فليس لها وسطى، فلا بد وأن ينضم إلى تلك الثلاثة عدد آخر يحصل به للمجموع وسط، وأقل ذلك أن يكون خمسة، فهذه الآية دالة على وجوب الصلوات الخمسة بهذا الطريق، واعلم أن هذا الاستدلال إنما يتم إذا بينا أن المراد من الوسطى ما تكون وسطى في العدد لا ما تكون وسطى بسبب الفضيلة ونبين ذلك بالدليل إن شاء الله تعالى إلا أن هذه الآية وإن دلت على وجوب الصلوات الخمس لكنها لا تدل على أوقاتها، والآيات الدالة على تفصيل الأوقات أربع :
الآية الأولى : قوله :﴿فَسُبْحَـانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ (الروم : ١٧) وهذه الآية أبين آيات المواقيت فقوله :﴿فَسُبْحَـانَ اللَّهِ﴾ أي سبحوا الله معناه صلوا لله حين تمسون، أراد به صلاة المغرب والعشاء ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ أراد صلاة الصبح ﴿وَعَشِيًّا﴾ (مريم : ١١) أراد به صلاة العصر ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ (الروم : ١٨) صلاة الظهر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٢
الآية الثانية : قوله :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ﴾ (الإسراء : ٧٨) أراد بالدلوك زوالها فدخل فيه صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم قال :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ﴾ أراد صلاة الصبح.
الآية الثالثة : قوله :﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَآى ِ الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ (طه : ١٣٠) فمن الناس من قال : هذه الآية تدل على الصلوات الخمس، لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها، فالليل والنهار داخلان في هاتين اللفظتين.
الآية الرابعة : قوله تعالى :﴿وَأَقِمِ الصَّلَواةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ ﴾ (هود : ١١٤) فالمراد بطرفي النهار : الصبح، والعصر، وقوله :﴿وَزُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ ﴾ المغرب والعشاء، وكان بعضهم يتمسك به في وجوب الوتر، لأن لفظ زلفاً جمع فأقله الثلاثة.
المسألة الثانية : اعلم أن الأمر بالمحافظة على الصلاة أمر بالمحافظة على جميع شرائطها، أعني طهارة البدن، والثوب، والمكان، والمحافظة على ستر العورة، واستقبال القبلة، والمحافظة على جميع أركان الصلاة، والمحافظة على الاحتراز عن جميع مبطلات الصلاة سواء كان ذلك من أعمال القلوب أو من أعمال اللسان/ أو من أعمال الجوارح، وأهم الأمور في الصلاة، رعاية النية فإنها هي المقصود الأصلي من الصلاة، قال تعالى :﴿إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ﴾ (طه : ١٤) فمن أدى الصلاة على هذا الوجه كان محافظاً على الصلاة وإلا فلا.
فإن قيل : المحافظة لا تكون إلا بين اثنين، كالمخاصمة، والمقاتلة، فكيف المعنى ههنا ؟
والجواب : من وجهين أحدهما : أن هذه المحافظة تكون بين العبد والرب، كأنه قيل له : احفظ الصلاة ليحفظك الإله الذي أمرك بالصلاة وهذا كقوله :﴿فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة : ١٥٢) وفي الحديث :"احفظ الله يحفظك" الثاني : أن تكون المحافظة بين المصلي والصلاة فكأنه قيل : احفظ الصلاة / حتى تحفظك الصلاة، واعلم أن حفظ الصلاة للمصلي على ثلاثة أوجه الأول : أن الصلاة تحفظه عن المعاصي، قال تعالى :﴿اتْلُ مَآ أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَـابِ﴾ (العنكبوت : ٤٥) فمن حفظ الصلاة حفظته الصلاة عن الفحشاء والثاني : أن الصلاة تحفظه من البلايا والمحن، قال تعالى :﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ ﴾ (البقرة : ١٥٣) وقال تعالى :﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّى مَعَكُم لئن أَقَمْتُمُ الصَّلَواةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَواةَ﴾ (المائدة : ١٢) ومعناه : إني معكم بالنصرة والحفظ إن كنتم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة والثالث : أن الصلاة تحفظ صاحبها وتشفع لمصليها، قال تعالى :﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَواةَ وَءَاتُوا الزَّكَواةَا وَمَا تُقَدِّمُوا لانفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّه ﴾ (البقرة : ١١٠) ولأن الصلاة فيها القراءة، والقرآن يشفع لقارئه، وهو شافع مشفع وفي الخبر :"إنه تجىء البقرة وآل عمران كأنهما عمامتان فيشهدان ويشفعان" وأيضاً في الخبر "سورة الملك تصرف عن المتهجد بها عذاب القبر وتجادل عنه في الحشر وتقف في الصراط عند قدميه وتقول للنار لا سبيل لك عليه" والله أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٢
المسألة الثالثة : اختلفوا في الصلاة الوسطى على سبعة مذاهب.