[ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ] أي لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا بما
أعلمهم إياه على ألسنة الرسل
[ وسع كرسيه السموات والأرض ] أي أحاط كرسيه بالسموات والأرض لبسطته وسعته،
والسموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي كحلقة ملقاة في فلاة، وروي عن ابن عباس
[ وسع كرسيه ] قال : علمه بدلالة قوله تعالى [ ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ] فأخبر
أن علمه وسع كل شيء ((قال ابن جرير : وقول ابن عباس هذا يدل على صحته ظاهر
القرآن، ولأن أصل الكرسي العلم، ومنه يقال للعلماء كراسي لأنهم المعتمد عليهم،
كما يقال أوتاد الأرض انتهى، والصحيح ما قاله ابن كثير أن الكرسي خلق من
مخلوقات الله عظيم غير العرش )). وقال الحسن البصري : الكرسي هو العرش، قال ابن
كثير : والصحيح أن الكرسي غير العرش، وأن العرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار
والأخبار
[ ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ] أي لا يثقله ولا يعجزه حفظ السموات والأرض
ومن فيهما، وهو العلي فوق خلقه ذو العظمة والجلال كقوله [ وهو الكبير المتعال ]
[ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ] أي لا إجبار ولا إكراه لأحد على
الدخول في دين الإسلام، فقد بان ووضح الحق من الباطل والهدى من الضلال
[ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة والوثقى ] أي من كفر بما
يعبد من غير الله، كالشيطان والأوثان، وآمن بالله فقد تمسك من الدين بأقوى سبب
[ لا انفصام لها ] أي لا انقطاع لها ولا زوال
[ والله سميع عليم ] أي سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم
[ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ] أي الله ناصر المؤمنين
وحافظهم ومتولي أمورهم، يخرجهم من ظلمات الكفر والضلالة، إلى نور الإيمان
والهداية
[ والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ] أي وأما
الكافرون فأولياؤهم الشياطين، يخرجونهم من نور اليقين والإيمان، إلى ظلمات الشك
والضلال
[ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] أي ماكثون في نار جهنم لا يخرجون منها
أبدا.
البلاغة :
١- في آية الكرسي أنواع من الفصاحة وعلم البيان منها (حسن الافتتاح)، لأنها
افتتحت بأجل أسماء الله تعالى، و(تكرار اسمه تعالى) ظاهرا ومضمرا في ثمانية عشر
موضعا، و(الإطناب) بتكرير الصفات، و(قطع الجمل) حيث لم يصلها بحرف العطف،
و(الطباق) في قوله :[ ما بين أيديهم وما خلفهم ] أفاده صاحب البحر المحيط.
٢- [ استمسك بالعروة الوثقى ] استعارة تمثيلية حيث شبه المستمسك بدين الإسلام
بالمستمسك بالحبل المحكم، وعدم الانفصام ترشيح لهذه الاستعارة.
٣- [ من الظلمات إلى النور ] استعارة تصريحية حيث شبه الكفر بالظلمات، والإيمان
بالنور، قال في تلخيص البيان : وذلك من أحسن التشبيهات، لأن الكفر كالظلمة التى
يتسكع فيها الخابط ويضل القاصد، والإيمان كالنور الذي يؤمه الجائر ويهتدي به
الحائر، وعاقبة الإيمان مضيئة بالنعيم والثواب، وعاقبة الكفر مظلمة بالجحيم
والعذاب.
فائدة :
أفرد النور وجمع الظلمات، لأن الحق واحد لا يتعدد، وأما طرق الضلال فكثيرة
ومتشعبة، وكثيرا ما يأتي في القرآن كقوله تعالى [ وجعل الظلمات والنور ].
تنبيه :
آية الكرسي لها شأن عظيم وقد صح الحديث عن رسول الله (ص) بأنها أفضل آية في
كتاب الله وفيها اسم الله الأعظم كما جاء في الحديث الشريف :" اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث : سورة البقرة، وآل عمران، وطه " قال هشام : أما البقرة فقوله [ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ] وفي آل عمران [ ألم. الله لا إله إلا هو الحي القيوم ] وفي طه [ وعنت الوجوه للحي القيوم ] قال ابن كثير : وقد اشتملت على عشر جمل مستقلة، متعلقة بالذات الإلهية وفيها تمجيد الواحد الأحد.