[ بسيماهم ] السيما العلامة التي يعرف بها الشيء، ويقال : سيمياء كالكيمياء،
وأصلها من السمة بمعنى العلامة، قال تعالى
[ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ]
[ إلحافا ] الإلحاف : الإلحاح في السؤال يقال : ألحف : إذا ألح ولج في السؤال
والطلب.
سبب النزول :
عن سعيد بن جبير أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة، فلما كثر
فقراء المسلمين قال رسول الله (ص) " لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم " فنزلت هذه
الآية [ ليس عليك هداهم ] مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام. ((والرواية
أخرجها ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ١/٣٣١ والمراد بالصدقة هنا (الصدقة
النافلة)، وأما الزكاة فلا تجوز إلا للمسلمين)).
التفسير :
[ وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ] أي ما بذلتم أيها
المؤمنون من مال، أو نذرتم من شيء في سبيل الله، فإن الله يعلمه ويجازيكم عليه
[ وما للظالمين من أنصار ] أي وليس لمن منع الزكاة أو صرف المال في معاصي الله،
من معين أو نصير ينصرهم من عذاب الله
[ إن تبدوا الصدقات فنعما هي ] أي إن تظهروا صدقاتكم فنعم هذا الشيء الذي تفعلونه
[ وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ] أي وإن تخفوها وتدفعوها للفقراء فهو
أفضل لكم لأن ذلك أبعد عن الرياء
[ ويكفر عنكم من سيئاتكم ] أي يزيل بجميل أعمالكم سيء آثامكم
[ والله بما تعملون خبير ] أي هو سبحانه مطلع على أعمالكم يعلم خفاياكم، والآية
ترغيب في الإسرار بالصدقة
[ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ] أي ليس عليك يا محمد أن تهدي الناس،
فإنك لست بمؤاخذ بجريرة من لم يهتد، إنما أنت ملزم بتبليغهم فحسب، والله يهدي
من شاء من عباده إلى الإسلام
[ وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ] أي أي شيء تنفقونه من المال، فهو لأنفسكم لا
ينتفع به غيركم لأن ثوابه لكم
[ وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ] خبر بمعنى النهي أي لا تجعلوا إنفاقكم إلا
لوجه الله، لا لغرض دنيوي
[ وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ] أي فإن أجره وثوابه أضعافا
مضاعفة تنالونه أنتم، ولا تنقصون شيئا من حسناتكم
[ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ] أي اجعلوا ما تنفقونه للفقراء، الذين
حبسوا أنفسهم للجهاد والغزو في سبيل الله
[ لا يستطيعون ضربا في الأرض ] أي لا يستطيعون بسبب الجهاد السفر في الأرض
للتجارة والكسب
[ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ] أي يظنهم الذي لا يعرف حالهم، أغنياء موسرين
من شدة تعففهم
[ تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا ] أي تعرف حالهم أيها المخاطب بعلامتهم،
من التواضع وأثر الجهد، وهم مع ذلك لا يسألون الناس شيئا أصلا، فلا يقع منهم
إلحاح
[ وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ] أي ما أنفقتموه في وجوه الخير، فإن الله
يجازيكم عليه أحسن الجزاء
[ الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ] أي الذين ينفقون في سبيل
الله ابتغاء مرضاته، في جميع الأوقات، من ليل أو نهار، وفي جميع الأحوال من سر
وجهر[ فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] أي لهم ثواب ما أنفقوا، ولا خوف عليهم يوم القيامة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم في الدنيا.
البلاغة :
١- [ وما أنفقتم من نفقة ] بين أنفقتم و " نفقة " جناس يسمى جناس الاشتقاق، وكذلك
بين نذرتم و " نذر " جناس، وهو من المحسنات البديعية.
٢- [ إن تبدوا الصدقات ] في الإبداء والإخفاء طباق لفظي، وكذلك بين لفظ " الليل
والنهار " و " السر والعلانية " وهو من المحسنات البديعية.
٣- [ وأنتم لا تظلمون ] إطناب لورودها بعد قوله [ يوف إليكم ] الذي معناه يصلكم
وافيا غير منقوص.
فائدة :
قال بعض الحكماء : إذا اصطنعت المعروف فاستره، وإذا اصطنع إليك فانشره، وأنشدوا :