[ الرحمن الرحيم ] وذكره الحمد بعظيم نعمه، وكريم فضله، وجميل آلائه، البادية فى تربيته للعوالم جميعاً، فأجال بصيرته فى هذا المحيط الذى لا ساحل له، ثم تذكر من جديد أن هذه النعم الجزيلة والتربية الجليلة، ليست من رغبة ولا رهبة، ولكنها عن تفضل ورحمة، فنطق لسانه مرة ثانية بـ
[ الرحمن الرحيم ] ومن كمال هذا الإله العظيم أن يقرن الرحمن بـ " العدل " ويذكر بالحساب بعد " الفضل "، فهو مع رحمته السابغة المتجددة سيدين عباده ويحاسب خلقه يوم الدين
[ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ] فتربيته لخلقه قائمة على الترغيب بالرحمة، والترهيب بالعدالة والحساب
[ مالك يوم الدين ] وإذا كان الأمر كذلك فقد أصبح العبد مكلفاً بتحري الخير، والبحث عن وسائل النجاة، وهو فى هذا أشد ما يكون حاجة إلى من يهديه سواء السبيل، ويرشده إلى الصراط المستقيم، وليس أولى به في ذلك من خالقه وولاه، فليلجأ إليه وليعتمد عليه وليخاطبه بقوله :
[ إياك نعبد وإياك نستعين ] وليسأله الهداية من فضله إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم بمعرفة الحق واتباعه، غير المغضوب عليهم بالسلب بعد العطاء، والنكوص بعد الاهتداء، وغير الضالين التائهين، الذي يضلون عن الحق أو يريدون الوصول إليه فلا يوفقون للعثور عليه، آمين. ولا جرم أن " آمين " براعة مقطع فى غاية الجمال والحسن، وأي شيء أولى بهذه البراعة من فاتحة الكتاب، والتوجه إلى الله بالدعاء ؟ فهل رأيت تناسقا أدق، أو ارتباطاً أوثق، مما تراه بين معاني هذه الآية الكريمة ؟ وتذكر وأنت تهيم فى أودية هذا الجمال ما يرويه رسول الله (ص) عن ربه فى الحديث القدسي (قسمت الصلاة بينى وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل..) الحديث وأدم هذا التدبر والإنعام، واجتهد أن تقرأ فى الصلاة وغيرها على مكث وتمهل، وخشوع وتذلل، وأن تقف على رؤوس الآيات، وتعطي التلاوة حقها من التجويد أو النغمات، من غير تكلف ولا تطريب، واشتغال بالألفاظ عن المعاني، فإن ذلك يعين على الفهم، ويثير ما غاض من شآبيب الدمع، وما نفع القلب شئ أفضل من تلاوة فى تدبر وخشوع ".


الصفحة التالية
Icon