[ قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ] أى قل لهم يا محمد : ان كنتم حقا تحبون الله فاتبعوني لاني رسوله يحبكم الله
[ ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ] أى بأتباعكم الرسول وطاعتكم لامره يحبكم الله، ويغفر لكم ما سلف من الذنوب. قال ابن كثير :" هذه الاية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فانه كاذب في دعواه تلك، حتى يتبع الشرع المحمدي في جميع اقواله وافعاله " ثم قال تعالى :
[ قل اطيعوا الله والرسول ] أى اطيعوا امر الله وامر رسوله
[ فان تولوا ] أى أعرضوا عن الطاعة
[ فان الله لا يحب الكافرين ] أى لا يحب من كفر باياته وعصى رسله بل يعاقبه ويخزيه [ يوم لا يخزي الله النبى والذين امنوا معه ].
البلاغة :
جمعت هذه الايات الكريمة من ضروب الفصاحة وفنون البلاغة ما يلي :
١ - الطباق في مواضع مثل " تؤتي وتنزع " و " تعز وتذل " و " الليل والنهار " و " الحي والميت " و " تخفوا وتبدوا " وفي " خير وسوء " و " محضرا وبعيدا.
٢ - والجناس الناقص في " مالك الملك " وفي " تحبون ويحببكم " وجناس الاشتقاق بين " تتقوا وتقاة " وبين " يغفر وغفور ".
٣-رد العجز على الصدر في [ تولج الليل في النهار ] و[ تولج النهار في الليل ].
٤ - التكرار في جمل للتفخيم والتعظيم كقوله [ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ].
٥ - الايجاز بالحذف في مواطن عديدة كقوله [ تؤتي الملك من تشاء ] أى من تشاء ان تؤتيه ومثلها وتنزع، وتعز، وتذل.
٦ - [ تولج الليل في النهار ] قال في تلخيص البيان : وهذه استعارة عجيبة وهي عبارة عن ادخال هذا على هذا، وهذا على هذا، فما ينقصه من الليل يزيده في النهار والعكس، ولفظ الايلاج ابلغ لانه يفيد ادخال كل واحد منهما في الاخر بلطيف الممازجة وشديد الملابسة.
٧ - [ تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ] الحى والميت مجاز عن المؤمن والكافر فقد شبه المؤمن بالحي والكافر بالميت (( هذا على رأى من فسر الأية بالوجه الاخر، وهو أن المراد يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، ويدل عليه قوله تعالى " أو من كان ميتا فأحييناه " وهو قول الحسن البصرى ) والله اعلم )).
فائدة :
في الاقتصار على ذكر الخير [ بيدك الخير ] دون ذكر الشر تعليم لنا الادب مع الله، فالشر لا ينسب الى الله تعالى أدبا وأن كان منه خلقا وتقديرا [ قل كل من عند الله ].
تنبيه :
روى مسلم في صحيحه عن رسول الله (ص) انه قال :" ان الله اذا احب عبدا دعا جبريل فقال : اني احب فلانا فاحبه، قال : فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول : ان الله يحب فلانا فاحبوه قال : فيحبه اهل السماء، واذا ابغض عبدا دعا جبريل فيقول : اني أبغض فلانا فابغضه قال : فيبغضه جبريل، ثم ينادي في اهل السماء : ان الله يبغض فلانا فابغضوه فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الارض ".
قال الله تعالى :[ ان الله اصطفى أدم ونوحا.. الى.. وسبح بالعشى والابكار ] من اية (٣٣) الى نهاية اية ( ٤١ )
المناسبة :
لما بين تعالى أن محبته لا تتم الا بمتابعة الرسل وطاعتهم، بين علو درجات الرسل وشرف مناصبهم، فبدأ بأدم أولهم،
وثنى بنوح أبى البشر الثاني، ثم اتى ثالثا بال ابراهيم فاندرج فيهم رسول الله (ص) لانه من ولد اسماعيل، ثم اتى رابعا بال عمران فاندرج فيه عيسى عليه السلام، واعقب ذلك بذكر ثلاث قصص : قصة ولادة مريم، وقصة ولادة يحيى، وقصة ولادة عيسى، وكلها خوارق للعادة تدل على قدرة العلي القدير.
اللغة :
[ اصطفى ] اختار وأصله من الصفوة أى جعلهم صفوة خلقه
[ محررا ] ماخوذ من الحرية وهو الذي يجعل حرا خالصا لله عز وجل، الذي لا يشوبه شيء من امر الدنيا


الصفحة التالية
Icon