[ وما عند الله خير للأبرار ] أى وما عند الله من الثواب والكرامة للاخيار الأبرار، خير مما يتقلب فيه الأشرار الفجار، من المتاع القليل الزائل.. ثم أخبر تعالى عن إيمان بعض أهل الكتاب فقال
[ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ] أى ومن اليهود والنصارى فريق يؤمنون بالله حق الإيمان، ويؤمنون بما أنزل إليكم وهو القرآن وبما أنزل إليهم وهو التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام وأصحابه، والنجاشي وأتباعه
[ خاشعين لله ] أى خاضعين متذللين لله
[ لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ] أى لا يحرفون نعت محمد ولا أحكام الشريعة، الموجودة في كتبهم لعرض من الدنيا خسيس، كما فعل الأحبار والرهبان
[ أولئك لهم أجرهم عند ربهم ] أى ثواب إيمانهم يعطونه مضاعنا كما قال سبحانه [ أولئك يؤتون أجرهم مرتين ]
[ إن الله سريع الحساب ] أى سريع حسابه، لنفوذ علمه بجميع المعلومات، يعلم ما لكل واحد من الثواب والعقاب، قال ابن عباس والحسن : نزلت في النجاشى وذلك أنه لما مات نعاه جبريل لرسول الله (ص) فقال النبي (ص) لأصحابه :(قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي )، فقال بعضهم لبعض : يأمرنا أن نصلي على علج من علوج الحبشة فأنزل الله [ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ] الآية. ثم ختم تعالى السورة الكريمة بهذه الوصية الجامعة لسعادة الدارين فقال :
[ ياأايها الذين آمنوا اصبروا ] أى اصبروا على مشاق الطاعات وما يصيبكم من الشدائد
[ وصابروا ] أى غالبوا أعداء الله بالصبر على أهوال القتال وشدائد الحروب
[ ورابطوا ] أى لازموا ثغوركم مستعدين للكفاح والغزو
[ واتقوا الله لعلكم تفلحون ] أى خافوا ربكم فلا تخالفوا أمره، لتفوزوا بسعادة الدارين.
البلاغة :
تضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والبديع ما يلي :
١ - الإطناب في قوله [ ربنا ] حيث كرر خمس مرات، والغرض منه المبالغة في التضرع إلى الله العلى الكبير.
٢ - الطباق في كل من [ السموات الأرض ] و[ الليل والنهار ] و[ قياما وقعودا ] و[ ذكر أو أنثى ].
٣ - الإيجاز بالحذف [ ما وعدتنا على رسلك ] أى على ألسنة رسلك وكذلك في قوله [ ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ] أى قابلين ربنا.
٤ - الجناس المغاير في قوله [ آمنوا.. فآمنا ] وفي [ عمل عاملا ] وفي [ مناد ينادي ].
٥ - [ لآيات لأولي الألباب ] التنكير للتفخيم ودخلت اللام في خبر إن لزيادة التأكيد.
٦ - الإستعارة في قوله [ لا يغرنك تقلب الذين كفروا ] استعير التقلب للضرب في الأرض لطلب المكاسب والله أعلم.
الفوائد :
الأولى : إنما خصص تعالى التفكر بالخلق، للنهي عن التفكر في الخالق ففي الحديث الشريف (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون الله قدره ) وذلك لعدم الوصول إلى كنه ذاته وصفاته.
الثانية : تكرر النداء بهذا الإسم الجليل [ ربنا ] خمس مرات كل ذلك على سبيل الإستعطاف وتطلب رحمة الله، بندائه بهذا الإسم الشريف، الدال على التربية والملك والإصلاح.


الصفحة التالية
Icon