[ وما يخدعون إلا أنفسهم ] أي وما يخدعون في الحقيقة إلا أنفسهم لأن وبال فعلهم راجع عليهم
[ وما يشعرون ] أي ولا يحسون بذلك ولا يفطنون إليه، لتمادى غفلتهم، وتكامل حماقتهم
[ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ] أي فى قلوبهم شك ونفاق، فزادهم الله رجساً فوق رجسهم، وضلالا فوق ضلالهم، والجملة دعائية، قال ابن أسلم : هذا مرض فى الدين، وليس مرضا فى الجسد، وهو الشك الذى دخلهم فى الإسلام، فزادهم الله رجسا وشكا
[ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ] أي ولهم عذاب مؤلم بسبب كذبهم في دعوى الإيمان، واستهزائهم بآيات الرحمن.
ثم شرع تعالى في بيان قبائحهم، وأحوالهم الشنيعة فقال :
[ وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض ] أي وإذا قال لهم بعض المؤمنين : لا تسعوا في الأرض بالإفساد بإثارة الفتن، والكفر والصد عن سبيل الله، قال ابن مسعود : الفساد فى الأرض الكفر، والعمل بالمعصية، فمن عصى الله فقد أفسد فى الأرض
[ قالوا إنما نحن مصلحون ] أي ليس شأننا الإفساد أبداً، وإنما نحن أناس مصلحون، نسعى للخير والصلاح، فلا يصح مخاطبتنا بذلك، قال البيضاوي : تصوروا الفساد بصورة الصلاح، لما فى قلوبهم من المرض فكانوا كمن قال الله فيهم (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) ولذلك رد الله عليهم أبلغ رد، بتصدير الجملة بحرفي التأكيد [ ألا ] المنبهة، و[ إن ] المقررة، وتعريف الخبر، وتوسيط الفصل، والاستدراك بعدم الشعور فقال :
[ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ] أي ألا فانتبهوا أيها الناس، إنهم هم المفسدون حقاً لا غيرهم، ولكن لا يفطنون ولا يحسون، لانطماس نور الإيمان فى قلوبهم
[ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ] أي وإذا قيل للمنافقين : آمنوا إيمانا صادقا، لا يشوبه نفاق ولا رياء، كما آمن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأخلصوا فى إيمانكم وطاعتكم لله
[ قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ] ؟ الهمزة للإنكار مع السخرية والاستهزاء، أي قالوا : أنؤمن كإيمان هؤلاء الجهلة، أمثال " صهيب، وعمار، وبلال " ناقصي العقل والتفكير ؟! قال البيضاوي : وإنما سفهوهم لاعتقادهم فساد رأيهم، أو لتحقير شأنهم، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء، ومنهم موالى كصهيب، وبلال
[ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ] أي ألا إنهم هم السفهاء، حقاً، لأن من ركب متن الباطل، كان سفيهاً بلا امتراء، ولكن لا يعلمون بحالهم فى الضلالة والجهل، وذلك أبلغ فى العمى، والبعد عن الهدى.. أكد ونبه وحصر السفاهة فيهم، ثم قال تعالى منبهاً إلى مصانعتهم ونفاقهم
[ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ] أي وإذا رأوا المؤمنين وصادفوهم، أظهروا لهم الإيمان والموالاة نفاقاً ومصانعة
[ وإذا خلوا إلى شياطينهم ] أي وإذا انفردوا ورجعوا إلى رؤسائهم وكبرائهم، أهل الضلال والنفاق
[ قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون ] أي قالوا لهم نحن على دينكم، وعلى مثل ما أنتم عليه من الاعتقاد، وإنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإظهار الإيمان، قال تعالى رداً عليهم :
[ الله يستهزئ بهم ] أي الله يجازيهم على استهزائهم بالإمهال ثم بالنكال.. قال ابن عباس : يسخر بهم للنقمة منهم ويملي لهم كقوله :[ وأملي لهم إن كيدي متين ] قال ابن كثير : هذا إخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج الخبر عن الجزاء مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه، فاللفظ متفق والمعنى مختلف، وإليه وجهوا كل ما في القرآن من نظائر مثل [ وجزاء سيئة سيئة مثلها ] ومثل [ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ] فالأول ظلم، والثاني عدل


الصفحة التالية
Icon