[ الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ] أى معادكم ومصيركم أيها الناس الى الله يوم القيامة، فيخبركم ثما اختلفتم فيه من أمر الدين، ويجازيكم باعمالكم
[ وأن احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم ] اي احكم بين اهل الكتاب بهذا القرآن، ولا تتبع أهواءهم الزائفة
[ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل الله اليك ] أى احذر هؤلاء الأعداء أن يصرفوك عن شريعة الله، فإنهم كذبة كفرة خونة
[ فإن تولوا فأعلم إنما يريد الله ان يصيبهم ببعض ذنوبهم ] أى فإن اعرضوا عن الحكم ثما انزل الله، وارادوا غيره فأعلم يا محمد انما يريد الله ان يعاقبهم ببعض إجرامهم
[ وإن كثيرا من الناس لفاسقون ] أى اكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم، مخالفون للحق منهمكون في المعاصي
[ افحكم الجاهلية يبغون ] الاستفهام للإنكار والتوبيخ، والمعنى : أيتولون عن حكمك ويبتغون غير حكم الله وهو حكم الجاهلية ؟
[ ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ] أى ومن أعدل من الله في حكمه، واصدق في بيانه، وأحكم في تشريعه، لقوم يصدقون بالعلي الحكيم.
البلاغة :
١ - [ يا أيها الرسول ] الخطاب بلفظ الرسالة للتشريف والتعظيم.
٢ - [ يسارعون في الكفر ] إيثار كلمة " في " على كلمة " إلى " للإيماء الى إنهم مستقرون في الكفر لا يبرحونه، وانما ينتقلون بالمسارعة عن بعض فنونه الى بعض آخر.
٣ - [ سماعون للكذب ] صيغة فعال للمبالغة أى مبالغون في سماع الكذب.
٤ - [ لهم في الدنيا خزى ] تنكير الخزي للتفخيم وتكرير لهم [ ولهم في الآخرة ] لزيادة التقرير والتأكيد، وبين كلمتي " الدنيا والآخرة " طباق.
٥ - [ وكيف يحكمونك ] تعجيب من تحكيمهم لرسول الله (ص) وهم لا يؤمنون به ولا بكتابه
٦ - [ وما اولئك بالمؤمنين ] الإشارة بالبعيد للإيذان ببعد درجتهم في العتو والمكابرة.
٧ - [ فلا تخشوا الناس ] خطاب لرؤساء اليهود وعلمائهم بطريق الإلتفات، لفتا لأنظارهم للخوف من الله، والأصل " فلا يخشوا ".
٨ - [ فأستبقوا الخيرات ] أى بادروا الى فعل الخيرات، وفيه استعارة لطيفة حيث شبههم بالمتسابقين على ظهور الخيل، إذ كل واحد ينافس صاحبه في السبق، لبلوغ الغآية المقصودة.
الفوائد :
قال الفخر الرازي : خاطب الله محمدا (ص) بقوله [ يا أيها النبي ] في مواضع كثيرة وما خاطبه بقوله [ يا أيها الرسول ] الا في موضعين احدهما [ يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ] والثاني في هذه السورة ايضا وهو قوله [ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك ] وهذا الخطاب لا شك إنه خطاب تشريف وتعظيم.
تنبيه :
يقول شهيد الاسلام " سيد قطب طيب الله ثراه في تفسيره الظلال ما نصه " إن الجاهلية في ضوء هذا النص القرآني البليغ [ أفحكم الجاهلية يبغون ] هي حكم البشر للبشر، وعبودية البشر للبشر، ورفض ألوهية الله والخروج من عبوديته الى عبودية غير الله، انه مفرق الطريق، فإما حكم الله، وإما حكم الجاهلية، ولا وسط ولا بديل، إما أن تنفذ شريعة الله في حياة الناس، او ينفذ حكم الجاهلية وشريعة الهوى ومنهج العبودية لغير الله، والجاهلية ليست فترة من الزمان، ولكنها وضع من الاوضاع يوجد بالأمس واليوم وغدا، والناس إما انهم يحكمون بشريعة الله ويقبلونها ويسلمون بها تسليما فهم اذا مسلمون، وإما أنهم يحكمون بشريعة من صنع البشر، فهم في جاهلية جهلاء، وهم خارجون عن شريعة الله
قال الله تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء.. الى.. وكثير منهم ساء ما يعملون ] هن آية (٥١) الى نهابة آية (٦٦).
المناسبة :