[ وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ] أى وإن كثيرا من الكفار المجادلين، ليضلون الناس بتحريم الحلال وتحليل الحرام، بغير شرع من الله، بل بمجرد الأهواء والشهوات
[ إن ربك هو أعلم بالمعتدين ] أى المجاوزين الحد في الإعتداء، فيحللون ويحرمون بدون دليل شرعي من كتاب أو سنة، وفيه وعيد شديد، وتهديد أكيد، لمن اعتدى على حدود الله
[ وذروا ظاهر الإثم وباطنه ] أى اتركوا المعاصي ظاهرها وباطنها، وسرها وعلانيتها، قال مجاهد : هي المعصية في السر والعلانية، وقال السدي : ظاهره الزنى مع البغايا وباطنه الزنى مع الصدائق والأخدان
[ إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ] أى يكسبون الإثم والمعاصي ويأتون ما حرم الله، سيلقون في الآخرة جزاء ما كانوا يكتسبون
[ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ] أى لا تأكلوا أيها المؤمنون مما ذبح لغير الله، أو ذكر اسم غير الله عليه، كالذي يذبح للأوثان
[ وإنه لفسق ] أى لأن الأكل منه لمعصية وخروج عن طاعة الله
[ وأن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ] أى وإن الشياطين ليوسوسون إلى المشركين أوليائهم في الضلال، لمجادلة المؤمنين بالباطل، في قولهم : أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل الله ؟ يعني الميتة
[ وأن أطعتموهم إنكم لمشركون ] أى وإن أطعتم هؤلاء المشركين في استحلال الحرام، وساعدتموهم على أباطيلهم، إنكم إذا مثلهم، قال الزمخشري : لأن من اتبع غير الله تعالى في دينه، فقد أشرك به، ومن حق ذي البصيرة في دينه ألا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان، للتشديد العظيم
[ أو من كان ميتا فأحييناه ] قال أبو حيان : لما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين، مثل تعالى بأن شبه المؤمن بالحي الذي له نور يتصرف به كيفما سلك، والكافر بالمتخبط في الظلمات المستقر فيها، ليظهر الفرق بين الفريقين ) والمعنى : أو من كان بمنزلة الميت، أعمى القلب بالكفر فأحيا الله قلبه بالإيمان، وأنقذه من الضلالة بالقرآن
[ وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ] أى وجعلنا له مع تلك الهداية النور العظيم الوضاء، الذي يتأمل به الأشياء، فيميز به بين الحق والباطل
[ كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ] أى كمن هو يتخبط في ظلمات الكفر والضلالة، لا يعرف المنقذ ولا المخلص ؟ قال البيضاوي : وهو مثل لمن بقي في الضلالة لا يفارقها بحال
[ كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ] أى وكما بقي هذا في الظلمات يتخبط فيها، كذلك حسنا للكافرين وزينا لهم، ما كانوا يعملون من الشرك والمعاصي
[ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ] أى وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها، كذلك جعلنا في كل بلدة مجرميها من الأكابر والعظماء ليفسدوا فيها، قال ابن الجوزي : وإنما جعل الأكابر فساق كل قرية، لأنهم أقرب إلى الكفر، بما أعطوا من الرياسة والسعة
[ وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ] أى وما يدرون أن وبال هذا المكر يحيق بهم
[ وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ] أى وإذا جاءت هؤلاء المشركين حجة قاطعة، وبرهان ساطع، على صدق محمد (ص) قالوا لن نصدق برسالته، حتى نعطى من المعجزات مثل ما أعطي رسل الله، قال في البحر : وإنما قالوا ذلك على سبيل التهكم والاستهزاء، ولو كانوا موقنين غير معاندين لأتبعوا رسل الله تعالى، وروي أن أبا جهل قال : زاحمنا بنى عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبى يوحى إليه ! والله لا نرضى به ولا نتبعه أبدا، إلا أن يأتينا وحى كما يأتيه ! ! فنزلت الآية


الصفحة التالية
Icon