[ وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ] أى كما متعنا الإنس والجن بعضهم ببعض، نسلط بعض الظالمين على بعض، بسبب كسبهم للمعاصي والذنوب، قال القرطبي : وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه، سلط الله عليه ظالما آخر، قال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم، ولى أمرهم خيارهم، وإذا سخط الله على قوم، ولى أمرهم شرارهم، وعن مالك بن دينار قال : قرأت في بعض كتب الحكمة أن الله تعالى يقول :" أني أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعنى جعلتهم عليه رحمة، ومن عصانى جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك، ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم "
[ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى ] هذا النداء أيضا يوم القيامة، والاستفهام للتوبيخ والتقريع أى ألم تأتكم الرسل يتلون عليكم آيات ربكم ؟
[ وينذرونكم لقاء يومكم هذا ] أى يخوفونكم عذاب هذا اليوم الشديد ؟
[ قالوا شهدنا على أنفسنا ] لم يجدوا إلا الاعتراف فقالوا : بلى شهدنا على أنفسنا، بأن رسلك قد أتتنا وأنذرتنا لقاء يومنا هذا، قال ابن عطية : وهذا إقرار منهم بالكفر، واعتراف على أنفسهم بالتقصير، كقولهم [ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا ]
[ وغرتهم الحياة الدنيا ] أى خدعتهم الدنيا بنعمها وتفرجها الكاذب
[ وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ] أى اعترفوا بكفرهم، قال البيضاوي : وهذا ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم، فإنهم اغتروا بالحياة الدنيا ولذاتها الفانية، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية، حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا بالشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد، تحذيرا للسامعين من مثل حالهم
[ ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ] أى إنما فعلنا هذا بهم من إرسال الرسل إليهم، لإنذارهم سوء العاقبة، لأن ربك عادل لم يكن ليهلك قوما حتى يبعث إليهم رسولا، قال الطبري : أى إنما أرسلنا الرسل يا محمد يقصون عليهم آياتي، وينذرونهم لقاء معادهم، من أجل أن ربك لم يكن ليهلكهم، دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر
[ ولكل درجات مما عملوا ] أى ولكل عامل بطاعة الله أو معصيته، منازل ومراتب من عمله، يلقاها في آخرته إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، قال ابن الجوزي : وإنما سميت درجات، لتفاضلها في الارتفاع والانحطاط كتفاضل الدرج
[ وما ربك بغافل عما يعملون ] أى ليس الله غافلا ولا ناسيا لأعمال عباده، وفي ذلك تهديد ووعيد
[ وربك الغنى ] أى هو جل وعلا المستغني عن الخلق وعبادتهم، لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية
[ ذو الرحمة ] أى ذو التفضل التام، قال ابن عباس : ذو الرحمة بأوليائه وأهل طاعته، وقال غيره ؟ بجميع الخلق، ومن رحمته تأخير الانتقام من المخالفين، قال ابو السعود : وفيه تنبيه على أن ما سلف ذكره من الإرسال، ليس لنفعه بل لترحمه على العباد
[ إن يشأ يذهبكم ] أى لو شاء لأهلككم أيها العصاة بعذاب الاستئصال
[ ويستخلف من بعدكم ما يشاء ] أى وأتى بخلق آخر أمثل منكم وأطوع
[ كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ] أى كما خلقكم وابتدأكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم، قال أبو حيان : وتضمنت الآية التحذير من بطش الله في التعجيل بالاهلاك
[ إن ما توعدون لآت ] أى ما توعدونه من مجيء الساعة والحشر، لواقع لا محالة
[ وما أنتم بمعجزين ] أى لا تخرجون عن قدرتنا وعقابنا، رإن ركبتم في الهرب متن كل صعب وذلول
[ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ] أى قل لهم يا محمد : يا قوم أثبتوا على كفركم ومعاداتكم لي، واعملوا ما أنتم عاملون، والأمر هنا للتهديد كقوله [ اعملوا ما شئتم ]
[ أني عامل ] أى عامل ما أمرنى به ربي، من الثبات على دينه


الصفحة التالية
Icon