١٠ - [ إن شر الدواب عند الله ] شبه الكفار بالبهائم بل جعلهم شرا منها، وذلك منتهى البلاغة ونهاية الإعجاز، إذ أن الكافر لا يسمع الحق، والبهائم لا تسمع، ولا ينطق به والبهائم لا تنطق، ويأكل والبهائم تأكل، بقي أنه يضر والبهائم لا تضر، فكيف لا يكون شرا منها ؟
تنبيه :
ذكر تعالى في هذه السورة أنه أمد المؤمنين بألف من الملائكة، وذكر في سورة آل عمران أنه أمدهم بثلاثة آلاف، ولا تعارض بين الآيات فإنه تعالى ذكر هنا لفظ [ مردفين ] ومعناه متتابعين، فأمدهم أولا بألف، ثم بثلاثة آلاف والله الموفق.
قال الله تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول.. إلى.. نعم المولى ونعم النصير ] من آية (٢٤) إلى نهاية آية ( ٤٠).
المناسبة :
لما ذكر تعالى الكافرين، وشبههم بالأنعام السارحة لأنهم أعرضوا عن قبول دعوة الله، أمر المؤمنين هنا بالاستجابة لله والرسول، وقبول دعوته التي فيها حياة القلوب، وبها السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة.
اللغة :
[ مكاء ] المكاء : الصفير قال أبو عبيدة : والكثير في الأصوات أن تكون في " فعال " كالصراخ والخوار والدعاء والنباخ
[ تصدية ] التصدية : التصفيق يقال : صدى تصدية إذا صفق بيديه، وأصله من الصدى وهوالصوت الذي يرجع من الجبل
[ فيركمه ] الركم : الجمع قال الليث : هو أن تجمع الشىء فوق الشيء حتى تجعله ركاما مركوما كما يكون فى الرمل والسحاب
[ سلف ] مضى
[ سنة الأولين ] عادة الله وسنته في إهلاك المكذبين من الأمم السالفة
[ مولاكم ] ناصركم ومعينكم. سبب
النزول :
أخرج ابن جرير عن الزهري أن رسول الله (ص) لما حاصر يهود بني قريظة طلبوا الصلح، فأمرهم أن ينزلوا على حكم (سعد بن معاذ) فقالوا : ارسل لنا (أبا لبابة) فبعثه رسول الله (ص) اليهم فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى ؟ أننزل على حكم سعد ؟ فأشار الى حلقه يعنى أنه (الذبح )، قال ابو لبابة : والله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله فقال : لا والله، لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله على فنزلت الآية [ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول.. ] الآية ثم نزلت توبته.
التفسير :
[ يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ] أى أجيبوا دعاء رسوله إذا دعاكم للإيمان والقرآن، الذي به تحيا النفوس، وبه تحيون الحياة الأبدية، قال قتادة : هو القرآن فيه الحياة، والثقة، والنجاة، والعصمة، في الدنيا والآخرة
[ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ] أى اعلموا انه تعالى المتصرف في جميع الأشياء، يصرف القلوب كيف يشاء بما لا يقدر عليها صاحبها، فيفسخ عزائمه، ويغير مقاصده، ويلهمه رشده، أو يزيغ قلبه عن الصراط السوي، وفي الحديث :" يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك " قال ابن عباس : يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان قال ابو حيان : وفي ذلك حض على المراقبة، والخوف من الله تعالى، والمبادرة الى الاستجابة له جل وعلا
[ وأنه اليه تحشرون ] أى وأنه سبحانه اليه مرجعكم ومصيركم فيجازيكم بأعمالكم
[ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ] أى احذروا بطش الله وانتقامه إن عصيتم أمره، واحذروا فتنة إن نزلت بكم، لم تقتصر على الظالم خاصة بل تعم الجميع، وتصل الى الصالح والطالح، لأن الظالم يهلك بظلمه وعصيانه، وغير الظالم يهلك لعدم منعه وسكوته عليه، وفي الحديث الشريف (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده ) قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب، فيصيب الظالم وغير الظالم