كلمة " عسى " من الله واجب قال الامام الرازي : وتحقيق القول فيه ان القرآن نزل على عرف الناس في الكلام، والسلطان العظيم اذا التمس المحتاج منه شيئا، فإنه لا يجيبه الا على سبيل الترجي مع كلمة " عسى " او " لعل " تنبيها على انه ليس لاحد ان يلزمه بشيء، بل كل ما يفعله فإما هو على سبيل " التفضل والتطول " وفيه فائدة اخرى وهو ان يكون المكلف على باب الطمع والاشفاق، لانه ابعد من الاتكال والاهمال.
لطيفة :
روى الاعمش ان اعرابيا جلس الى " زيد بن صوحان " - وهو يحدث اصحابه - وكانت يده اصيبت يوم (نهاوند) فقال الاعرابي : والله ان حديثك ليعجبنى، وان يدك لتريبنى فقال زيد : ما يريبك من يدي انها الشمال، فقال الاعرابي : والله ما ادري اليمين يقطعون ام الشمال ! ! فقال زيد : صدق الله [ الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله.. ] الآية، معنى " تريبني " اي تدخل الى قلبي الشك، هل قطعت في سرقة ؟ وهذا غباء وسفه، حيث ظن انه سارق قطعت يده في السرقة، وهذا يدل على مبلغ جهل الاعرابي !.
قال الله تعالى :[ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم.. الى.. وهو رب العرش العظيم ] من آية ( ١١١ ) الى آية (١٢٩ ) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى احوال المنافقين، المتخلفين عن الجهاد، المثبطين عنه، ذكر صفات المؤمنين المجاهدين، الذين باعوا انفسهم لله.. ثم ذكر قصة " الثلاثة " الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وتوبة الله عليهم، وختم السورة بتذكير المؤمنين بالنعمة العظمى، ببعثة السراج المنير، النبي العربي، الذي ارسله الله رحمة للعالمين !
اللغة :
[ اواه ] كثير التأوه ومعناه الخاشع المتضرع، يقال : تأوه الرجل تأوها إذا توجع، قال الشاعر : اذا ما قمت ارحلها بليل! تأوه آهة الرجل الحزين
[ حليم ] الحليم : الكثير الحلم وهو الذي يصفح عن الذنب ويصبر على الاذى
[ العسرة ] الشدة وصعوبة الامر، وتسمى غزوة تبوك " غزوة العسرة " لما فيها من المشقة والشدة
[ يزيغ ] الزيغ : الميل : يقال زاغ قلبه اذا مال عن الهدى والايمان
[ ظمأ ] الظمأ : شدة العطش
[ نصب ] النصب : الإعياء والتعب
[ مخمصة ] مجاعة شديدة يظهر بها ضمور البطن
[ ينالون ] يصيبون، نال الشيء اذا ادركه واصابه
[ غلظة ] شدة وقوة وحمية
[ عزيز ] صعب وشاق
[ عنتم ] العنت : الشدة والمشقة.
سبب النزول :
١ - لما بايع الانصار رسول الله، ليلة العقبة - وكانوا سبعين رجلا- قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله : اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال : اشترط لربي ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون منه انفسكم، قالوا : فاذا فعلنا ذلك فما لنا ؟ قال : الجنة، قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل - أى لا نقبل رد البيع ولا نطلب نحن ذلك - فنزلت [ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم.. ] الآية.
٢ - لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه رسول الله (ص) وعنده ابو جهل، وعبد الله بن أبي امية، فقال : أى عم قل " لا اله الا الله " كلمة اشهد لك بها عند الله، فقال ابو جهل وابن أبى امية : يا ابا طالب اترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله (ص) يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال ابو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب، وأبى ان يقول " لا اله الا الله " فقال رسول الله (ص) : أما والله لاستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل [ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين.. ] ونزلت [ إنك لا تهدي من أحببت ].
التفسير :


الصفحة التالية
Icon