[ ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون ] أى إن في إنزال الماء لإخراج الثمار، لدلالة واضحة على قدرة الله ووحدانيته، لقوم يتدبرون في صنعه فيؤمنون، قال أبو حيان : ختم ا لآية بقوله :[ يتفكرون ] لأن النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل، واستعمال فكر، ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وُضعت في الأرض، ومر عليها زمن معين، لَحِقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به، فيُشق أعلاها فتصعد منه شجرة إلى الهواء، وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرة أخرى وهي العروق، ثم ينمو الأعلى ويقوى، وتخرج الأوراق والأزهار، وأكمام والثمار، المشتملة على أجسامٍ مختلفة الطبائع، والألوان والأشكال والمنافع، وذلك بتقدير قادرٍ مختار وهو الله تعالى
[ وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر ] أى ذلل الليل والنهار يتعاقبان، لمنامكم ومعاشكم، والشمس والقمر يدوران لمصالحكم ومنافعكم
[ والنجوم مسخرات بأمره ] أى والنجوم تجرى في فلكها بأمره تعالى، لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر
[ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ] أى إن في ذلك الخلق والتسخير لدلائل باهرة عظيمة، لأصحاب العقول السليمة
[ وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه ] أى وما خلق لكم في الأرض من الأمور العجيبة، من الحيوانات والنباتات، والمعادن والجمادات، على اختلاف ألوانها وأشكالها، وخواصها ومنافعها
[ ان في ذلك لآية لقوم يذكرون ] أى لعبرة لقوم يتعظون
[ وهو الذى سخر البحر ] أى وهو تعالى بقدرته ورحمته، ذلل لكم البحر المتلاطم الأمواج، ً للركوب فيه والغوص في أعماقه
[ لتأكلوا منه لحما طريا ] أى لتأكلوا من البحر السمك الطري الذي تصطادونه
[ وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ] أى ؟ تستخرجوا منه الجواهر النفيسة، كاللؤلؤ والمرجان
[ وترى الفلك مواخر فيه ] أى وترى السفن العظيمة تشق عُباب البحر، جارية فيه، وهي تحمل الأمتعة والأقوات
[ ولتبتغوا من فضله ] أى سخر لكم البحر لتنتفعوا بما ذُكر، ولتطلبوا من فضل الله ورزقه سبل معاشكم بالتجارة
[ ولعلكم تشكرون ] أى ولتشكروا ربكم على عظيم إنعامه وجليل إفضاله
[ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ] أى نصب فيها جبالا ثوابت راسيات، لئلا تضطرب بكم وتميل، قال أبو السعود : إن الأرض كانت كرةً خفيفة قبل أن تُخلق فيها الجبال، وكان من حقها ان تتحرك كالأفلاك بأدنى سبب، فلما خُلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد لها
[ وأنهاراَ وسبلا لعلكم تهتدون ] أى وجعل فيها انهارا وطرقا ومسالك، لكي تهتدوا إلى مقامدكم
[ وعلامات بالنجم هم يهتدون ] أى وعلامات يستدلون بها على الطرق، كالجبا ل والأنهار، وبالنجوم يهتدون ليلا في البراري والبحار، قال ابن عباس :(العلاماتُ ) معالمُ الطرق بالنهار، وبالنجم هم يهتدون بالليل
[ أفمن يخلق كمن لا يخلق ] الاستفهام انكاري أى أتسوون بين الخالق لتلك الأشياء العظيمة، والنعم الجليلة، وبين من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضراً فضلا عن غيره ؟ أتشركون الصنم الحقير، مع الخالق الجليل ؟ وهو تبكيت للكفرة وإبطال لعبادتهم الأصنام
[ أفلا تذكرون ] أى أفلا تتذكرون فتعرفون خطأ ما أنتم عليه، من عبادة غير الله ؟ وهو توبيخ آخر
[ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ] أى إن تعدوا نعم الله الفائضة عليكم، لا تضبطوا عددها فضلا عن أن تطيقوا شكرها
[ إن الله لغفور رحيم ] أى غفور لما صدر منكم من تقصير، رحيم بالعباد، حيث ينعم عليهم مع تقصيرهم وعصيانهم
[ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ] أى يعلم ما تخفونه وما تظهرونه من النوأىا والأعمال وسيجازيكم عليها


الصفحة التالية
Icon