[ وبالوالدين إحساناَ ] أى وأمر بأن تحسنوا إلى الوالدين إحساناً، قال المفسرون : قرن تعالى بعبادته بر الوالدين، لبيان حقهما العظيم على الولد لأنهما السبب الظاهر لوجوده وعيشه، ولما كان إحسانهما إلى الولد، قد بلغ الغاية العظيمة، وجب أن يكون إحسان الولد إليهما كذلك
[ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ] أى قد أوصيناك بهما، وبخاصة إذا كبرا أو كبر أحدهما، وإنما خص حالة الكِبَر، لأنهما حينئذ أحوج إلى البر، والقيام بحقوقهما لضعفهما، ومعنى [ عندك ] أى في كنفك وكفالتك
[ فا تقل لهما أف ] أى لا تقل للوالدين أقل كلمة تظهر الضجر، ككلمة أف ولا تسمعهما قولا سيئا حتى ولو بكلمة التأفف
[ ولا تنهرهما ] أى لا تزجرهما بإغلاظِ فيما لا يعجبك منهما
[ وقل لهما قولا كريما ] أى قل لهما قولا حسنى، لينا طيبا، بأدب ووقار وتعظيم
[ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ] أى ألن جانبك وتواضع لهما بتذلل وخضوع، من فرط رحمتك وعطفك عليهما
[ وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ] أى ادع لهما بالرحمة وقل في دعائك : يا رب أرحم والدي برحمتك الواسعة، كما أحسنا إلي في تربيتهما حالة الصغر
[ ربكم أعلم بما فى نفوسكم ] أى ربكم أيها الناس أعلم بما في ضمائركم، من إرادة البر، أو العقوق
[ إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ] أى إن تكونوا قاصدين للبر والصلاح، دون العقوق والفساد، فإنه جل وعلا يتجاوز عن سيئاتكم، ويغفر للأوابين، أى التوابين الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستنفرين، وبمناسبة الإحسان إلى الوالدين، يأمر تعالى بالإحسان إلى الأقارب والضعفاء والمساكين
[ وآت ذا القربى حقه ] أى أعط كل من له قرابة بك، حقًه من البر والإحسان
[ والمسكين وابن السبيل ] أى وأعط المسكين المحتاج، والغريبَ المنقطع فى سفره حقًه أيضا
[ ولا تبذر تبذيرا ] أى لا تنفق مالكَ في غير طاعة الله فتكون مبذرا، والتبذير الإنفاق في غير حق، قال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبشرا، وقال قتادة : التبذير النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق، وفي الفساد
[ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ] هذا تعليل للنهي وهو غاية في الذم والتقبيح، أى إن المبذرين كانوا أمثال الشياطين، وأشباههم في الإفساد، لأنهم ينفقون في الباطل، وينفقون في الشر والمعصية، فهم أمثالهم
[ وكان الشيطان لربه كفورا ] أى مبالغاً قي كفران نعمة الله، لا يؤدي حق النعمة، كذلك إخوانه المبذرون لا يؤدون حق النعمة، وحقُها أن ينفقوها في الطاعات والحقوق، غير بخلاء ولا مبذرين
[ وإما تعرضن عنهم إبتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ] أى إن أعرضت عن ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، إذا لم تجد ما تعطيهم، فقل لهم قولا سهلا لينا، وعدهم وعداً جميلا
[ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ] الآية تمثيل للبخل، أى لا تكن بخيلا منوعا لا تعطى أحدا شيئا، كمن حُبِست يده عن الإنفاق وشدت إلى عنقه
[ ولا تبسطها كل البسط ] تمثيل للتبذير أى ولا تتوسع في الإنفاق توسعا مفرطا، بحيث لا يبقى في يدك شيء، والغرض من الآية لا تكن بخيلا ولا مسرفاً
[ فتقعد ملوما محسورا ] أى فتصير مذموما من الخَلق والخالق، منقطعا من المال، كمن انقطع في سفره بانقطاع مطيته
[ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ] أى يوسع الرزق على من يشاء، ويضيًق على من يشاء، وهو القابض، الباسط، المتصرف في خلقه، بما يشاء حسب الحكمة
[ إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ] أى إنه عالم بمصالح العباد، فالتفاوت في الأرزاق ليس لأجل البخل، بل لأجل رعاية المصالح، فهو تعالى يعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم
[ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ] أى لا تُقدموا على قتل أولادكم مخافة الفقر


الصفحة التالية
Icon