[ لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ] أى لو شاهدتهم وهم على تلك الحالة، لفررت منهم هاربا رعبا منهم، وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة، فرؤيتهم تثير الرعب، إذ يراهم الناظر نياما كالأيقاظ، يتقلبون ولا يستيقظون
[ وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم ] أى كما أنمناهم كذلك بعثناهم من النوم، وأيقظناهم بعد تلك الرقدة الطويلة التي تشبه الموت، ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة مكثهم، وإقامتهم في الغار
[ قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ] أى قال أحدهم : كم مكثنا في هذا الكهف ؟ فقالوا مكثنا فيه يوما أو بعض اليوم، قال المفسرون : دخلوا في الكهف صباحا، وبعثهم الله في آخر اللهار، فلما استيقظوا ظنوا أن الشمس قد غربت، فقالوا : لبثنا يوما، ثم رأوها لم تغرب فقالوا : أو بعض يوم، وما دروا أنهم ناموا ثلاثمائة وتسع سنين
[ قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ] أى قال بعضهم ؟ الله أعلم بمدة إقامتنا ولا طائل وراء البحث عنها ؟ فخذوا بما هو أهم وأنفع لكم، فنحن الآن جياع
[ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ] أى فأرسلوا واحدا منكم إلى المدينة، بهذه النقود الفضية
[ فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه ] أى فليختر لنا أحل وأطيب الطعام فليشتر لنا منه
[ وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ] أى وليتلطف في دخول المدينة وشراء الطعام، حتى لا يشعر بأمرنا أحد
[ إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ] أى إن يظفروا بكم يقتلوكم بالحجارة، أو يردوكم إلى دينهم الباطل
[ ولن تفلحوا إذا أبدا ] أى وإن عدتم إلى دينهم ووافقتموهم على كفرهم، فلن تفوزوا بخير أبدا، وهكذا يتناجى الفتية فيما بينهم خائفين، حذرين أن يظهر عليهم الملك الجبار فيقتلهم، أو يردهم إلى عبادة الأوثان، فيوصون صاحبهم بالتلطف بالدخول والخروج، وأخذ الحيطة والحذر
[ وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ] أى وكما بعثناهم من نومهم، كذلك أطلعنا الناس عليهم، ليستدلوا بذلك على صحة (البعث ) ويوقنوا أن القيامة لا شك فيها، فتكون قصة أصحاب الكهف حجة واضحة، ودلالة قاطعة على إمكان البعث والنشور، فأن القادر على بعث أهل الكهف بعد نومهم (ثلاثمائة عام ) قادر على بعث الخلق بعد مماتهم
[ إذ يتنازعون بينهم أمرهم ] أى حين تنازع القوم في أمر أهل الكهف بعد أن أطلعهم الله عليهم ثم قبض أرواحهم
[ فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ] أى قال بعض الناس : ابنوا على باب كهفهم بنياناً ليكون علَما عليهم
[ ربهم أعلم بهم ] أى الله أعلم بحالهم وشأنهم
[ قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ] أى قال الفريق الآخر وهم الأكثرية الغالبة : لنتخذن على باب الكهف، وفي هذا المكان مسجدا نصلي ونعبد الله فيه
[ سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ] أى سيقول هؤلاء القوم الخائضون قي قصتهم في عهد الرسول (ص) من أهل الكتاب : هم ثلاثة رجال يتبعهم كلبهم
[ ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ] أى ويقول البعض : إنهم خمسة سادسهم الكلب، قذفا بالظن من غير يقين ولا علم، كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه
[ ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ] أى ويقول البعض : إنهم سبعة والثامن هو الكلب
[ قل ربى أعلم بعدتهم ] أى الله أعلم بحقيقة عددهم
[ ما يعلمهم إلا قليل ] أى لا يعلم عدتهم إلا قليل من الناس، قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل، كانوا سبعة إن الله عدهم حتى انتهى إلى السبعة قال المفسرون : إن الله تعالى لما ذكر القول الأول والثاني أردفه بقوله :[ رجما بالغيب ] ولما ذكر القول الأخير لم يقدح فيه بشيء، فكأنه أقر قائله، ثم نبه رسوله إلى الأفضل والأكمل، وهو ردُ العلم إلى علام الغيوب