قال العلامة القرطبي :" كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد، أو الفاسق الحائد، فالآيات منها ما أخبر الله تعالى في حق مريم، من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، وبدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، لإقامة الجدار " اهـ. القرطبي.
قال الله تعالى :[ ويسألونك عن ذي القرنين.. ] إلى قوله [ فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداَ ] من آية (٨٣) إلى آية ( ١١٥ ) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى قصة الخضر أعقبها بقصة ذي القرنين، ورحلاته الثلاث إلى الغرب، والشرق، وإلى السدين، وبناؤه للسد في وجه " يأجوج ومأجوج ) وهي القصة الرابعة من القصص المذكورة فى هذه السورة، وجميعها ترتبط بالعقيدة والإيمان، وهو الهدف الأصيل للسورة الكريمة.
اللغة :
[ ذو القرنين ] هو الاسكندر المقدوني (( ذو القرنين ملك مسلم من ملوك اليمن، وهو غير الاسكندر باني الاسكندرية )) وهو ملِك صالح أعطي العلم والحكمة، سمي بذي القرنين لأنه ملك مشارق الأرض ومغاربها وكان مسلما عادلا، قال الشاعر :
قد كان ذو القرنين جذي مسلما ملكا علا في الأرض غير مفند بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب مُلكٍ من كريمِ مرشد
[ حمئة ] كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء
[ سداَ ] السد : الحاجز والحائل بين الشيئين
[ ردما ] الردم. السدُ المنيع وهو أكبر من السد لأن الردم ما جعل بعضه على بعض حتى يصبح كالحصن المنيع، فالردم الحاجز الحصين المتين
[ زبر الحديد ] قطع الحديد مفرده زُبرة وهي القطعة
[ الصدفين ] جانبا الجبل، قال ابو عبيدة : الصدف كل بناء عظيم مرتفع
[ قطرا ] القِطر : النحاس المذاب
[ نقبا ] خرقا وثنبا
[ دكاء ] مدكوكا مسوى بالأرض، قال الأزهري : دككته أى دققته
[ يموج ] يختلط ويضطرب
[ الفردوس ] قال الفراء : البستان الذي فيه العنب، وقال ثعلب : كل بستان يحوط عليه فهو فردوس.
سبب النزول :
١ - قال قتادة : إن اليهود سألوا النبي (ص) عن ذي القرنين، أرادوا بذلك امتحانه، فأنزل الله [ ويسألونك عن ذي القرنين.. ] الآية.
٢ - قال مجاهد : جاء رجل إلى النبي (ص) فقال يا رسول الله : إني أتصدق، وأصلُ الرحم، ولا أصنع ذلك إلا لله تعالى، فيُذكر ذلك مني وأُحمد عليه، فيسرني ذلك وأُعجب به، فسكت رسول الله (ص) ولم يقل شيئا فأنزل الله [ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ].
التفسير :
[ ويسألونك عن ذي القرنين ] أى يسألك اليهود يا محمد عن ذي القرنين ما شأنه ؟ وما قصته ؟
[ قل سأتلوا عليكم منه ذكراً ] أى قل لهم سأقص عليكم من نبأه وخبره، قرآنا ووحيا
[ إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ] أى يسرنا له أسباب الملك والسلطان، والفتح والعمران، وأعطيناه كل ما يحتاج إليه للوصول إلى غرضه، من أسباب العلم والقدرة والتصرف، قال المفسرون : ذو القرنين هو (الاسكندر اليونانى) ملكَ المشرق والمغرب فسمي ذا القرنين، وكان ملكا مؤمنا، مكن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين (عيسى) و(محمد) صلوات الله عليهما.. روي أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان، فسليمان، وذو القرنين، وأما الكافران : فنمرود، وبختنصر
[ فأتبع سببا ] أى سلك طريقه الذي يسره الله له، وسار جهة المغرب
[ حتى إذا بلغ مغرب الشمس ] أى وصل جهة المغرب


الصفحة التالية
Icon