كلمة " أرأيتَ " تستعمل بمعنى الاستفهام عن الرؤية البصرية، او العلمية، وهذا اصل وضعها ثم استعملت بمعنى " أخبرني " فيقولون : أرأيت ذلك الأمر أي أخبرني عنه، والرؤية إما بصرية أو علمية والتقدير : أأبصرت حالته العجيبة، أو أعرفت أمره العجيب ؟ فأخبرني عنها، ولذا لم تستعمل في غير الأمر العجيب، [ أرأيت الذي يكذب بالدين ] ؟ [ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ] ؟ وهكذا.
قال الله تعالى :[ واتل عليهم نبأ نوح.. الى.. ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ] من آَية (٧٢) إلى نهاية آية (٨٩).
المناسبة :
لما ذكر تعالى الدلائل الدالة على وحدانيته، وذكر ما جرى بين الرسول (ص) وكفار مكة، ذكر هنا بعض قصص الأنبياء، تسلية للرسول (ص) ليتأسى بهم، فيهون عليه ما يلقاه من الشدائد والمكاره، وقد ذكر تعالى هنا ثلاث قصص :
١ - قصة نوح عليه السلام مع قومه.
٢ - قصة موسى وهارون مع الطاغية فرعون.
٣ - قصة يونس مع قومه، وفي كل قصة عبرة لمن اعتبر، وذكرى لمن تدبر.
اللغة :
[ كبر ] قال الواحدي : كبِر يكبر كبرا في السن، وكبر الأمر والشىء يكبر كبرا وكبارة إذا عظم
[ فأجمعوا ] الإجماع : الاعداد والعزيمة على الأمر، وأنشد الفراء : يا ليت شعري والمنى لا ينفع هل اغدون يوما وأمري مجمع
[ غمة ] مبهما من قولهم غم علينا الهلال فهو مغموم، اِذا التبس واستتر قال طَرفة : لعمرك ما أمري على بغمة نهاري ولاليلي على بسرمد
[ نطبع ] نختم
[ تلفتنا ] تصرفنا وتلوينا واللفت : الصرف عن أمر وأصله اللى يقال لفت عنقه إِذا لواها
[ الكبرياء ] العظمة والملك والسلطان
[ عال ] عات متكبر
[ المسرفين ] المجاوزين الحد في الضلال والطغيان
[ اطمس ] الطمس : المسخ، قال الزجاج : طمس الشيء إِذهابه عن صورته ومنه عين مطموسة.
التفسير :
[ واتل عليهم نبأَ نوح ] أي اقرأ يا محمد على المشركين من اهل مكة خبر اخيك نوح مع قومه المكذبين
[ إِذ قال لقومه يا قوم إِن كان كبر عليكم ] أي حين قال لقومه الجاحدين المعاندين : يا قوم إِن كان عظم وشق عليكم
[ مقامي وتذكيري بآيات الله ] أي طول مقامي ولبثي فيكم، وتخويفي إياكم بآيات ربكم، وعزمتم على قتلي وطردي
[ فعلَى الله توكلت ] اي على الله وحده اعتمدت، وبه وثقت فلا أبالي بكم
[ فأجمعوا أمركم وشركاءكم ] أي فاعزموا أمركم وادعوا شركاءكم، ودبروا ما تريدون لمكيدتي
[ ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ] أي لا يكن أمركم في شأني مستورا بل مكشوفاً مشهورا،
[ ثم اقضوا إِلى ولا نُتظرون ] اي أنفذوا ما تريدونه في أمرى ولا تؤخروني ساعة واحدة، قال أبو السعود : وإنما خاطبهم بذلك إظهارا لعدم المبالاة، وثقة بالله وبوعده من عصمته وكلاءته
[ فإن توليتم فما سألتكم من أجر ] أي فإِن أعرضتم عن نصيحتي وتذكيري فليس لأني طلبت منكم أجرا حتى تمتنعوا، بل لشقاوتكم وضلالكم
[ إِن أجري إِلا على الله ] اي ما اطلب ثوابا أو جزاء على تبليغ الرسالة إِلا من الله، وما نصحتكم إِلا لوجه الله، لا لغرض من أغراض الدنيا
[ وأمرت أن أكون من المسلمين ] أي من الموحدين لله تعالى
[ فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك ] أي فأصروا واستمروا على تكذيب نوح، فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة
[ وجعلناهم خلائف ] أي جعلنا من معه من المؤمنين سكان الأرض وخلفا لمن غرق
[ وأغرقنا الذين كذبوا بآَياتنا ] اي أغرقنا المكذبين بالطوفان
[ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ] أي انظر يا محمد كيف كان نهاية المكذبين لرسلهم ؟ والغرض : تسلية الرسول (ص) والتحذير لكفار مكة ان يحل بهم ما حل بالسابقين
[ ثم بعثنا من بعده رسلا إِلى قومهم ] أي أرسلنا من بعد نوح رسلا إلى قومهم يعني هودا وصالحا ولوطا وابراهيم وشعيبا